التهديد بضرب العراق - قراءة في تنازلات الفصائل بين الضغوط المتصاعدة وسيناريوهات التجريد

2025/12/21

97
١- تشهد الساحة العراقية تصعيدًا لافتًا في الخطاب السياسي والأمني تزامنًا مع أنباء عن تلقّي جهات عراقية تحذيرات غير مباشرة – وإن نفت السلطات العراقية رسميًا استلام أي رسائل مكتوبة – بشأن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة.
٢- هذه الضغوط بغضّ النظر عن قناتها الرسمية تشير إلى منعطف خطير في المسار الذي تسلكه الفصائل المسلحة.
٣- الوارد ليس مجرد ضغط مؤقت بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد قد تهدف إلى تفكيك بنية المقاومة ككل وليس فقط نزع سلاحها في إطار صراع أوسع على الهوية والنفوذ.
التنازلات المطروحة -
رد فعل على تهديد وجودي أم مراجعة استراتيجية؟
١- ما تظهره التصريحات الأخيرة لبعض الفصائل حول "حصر السلاح بيد الدولة" وطلب "الوقت والحرية في النطاق الوطني" يأتي في سياق تصعيد تحذيرات إعلامية عن ضربات "على غرار استهداف حماس في الدوحة" أي ضربات مركزة وعميقة.
٢- هذا السياق يجعل الدعوة المفاجئة للانصياع تحت المظلة الرسمية مشبوهة التوقيت وتُقرأ على الأرجح كخطوة تكتيكية للنجاة الآنية أو لإعادة التنظيم تحت وطأة التهديد أكثر منها مشروعًا وطنيًا متجذرًا نابعًا من قناعة داخلية.
دوافع المقاومة -
الذرائع لا تزول بزوال السلاح الظاهر
١- الدرس المستفاد من التجربة الأمريكية ذاتها حيث تنتشر الجماعات المسلحة بذرائع مماثلة
٢- الدوافع الأصلية تبقى قائمة حتى لو تغيرت أشكال التنظيم.
لأن الدوافع من وراء حمل سلاح المقاومة لازالت موجودة
٣- الوجود العسكري الأجنبي والدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل والاعتداءات على محور المقاومة.
٤- الانسحاب الظاهري نحو العمل السياسي في هذا الظرف ليس "تحولاً استراتيجياً" حقيقياً بل قد يكون انكفاءً مؤقتاً أو تحولاً في التكتيك.
كما أن العملية السياسية في العراق أثبتت – للكثيرين – أنها بيئة طاردة لهوية المقاومة الحقيقية وتعيد تدوير النخب دون تغيير جوهري في السياسات السيادية.
المنطق الخارجي .
تجريد الهوية قبل تجريد السلاح – نموذج من الداخل الأمريكي
النموذج الذي يخشى الكثيرون أن تُفرض معاييره على العراق لا يهدف فقط إلى نزع الأسلحة الثقيلة بل عملية أعمق تشبه في بعض جوانبها التعامل مع الجماعات المسلحة داخل الولايات المتحدة نفسها ولكن بأدوات مختلفة..
· تجريد المقاومين من شرعيتهم الشعبية.
عبر دمجها في مؤسسات الدولة التي تخضع للمساومات معقدة وتحويلهم من حركات جماهيرية إلى أطراف بيروقراطية.
· تحويل النضال إلى مساومة. تحويل الصراع من معركة وجودية وطنية إلى منافسة على المناصب والامتيازات والحصص ضمن لعبة سياسية محلية.
· قطع الصلة العضوية.
عزل القيادات عن قواعدها الشعبية يجعلها منشغلة بأجندات المؤسسات الرسمية ومتطلباتها.
ازدواجية المعايير.
عندما تكون "الفوضى المسلحة" مقياسًا ذا حدين
هنا تبرز مفارقة صارخة تستحق التأمل وهي ازدواجية المعايير الدولية.
ففي الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة "القطب المهيمن" من انتشار هائل للسلاح بين الأفراد وتقويض جماعات مسلحة محلية لسلطة الدولة الفيدرالية في أحداث دموية
. مثل حصار واكو 1993
.هجوم أوكلاهوما سيتي 1995
.احتلال محمية مالور 2016
نجدها تتصدر مشهد إصدار التوصيات والتهديدات لدول أخرى بشأن نزع سلاح فصائل نشأت غالبًا في سياق دفاعي ضد تهديدات إرهابية أو احتلال أجنبي.
إحصائيات للتفكر.
مستقاة من واقع المجتمع الأمريكي
· يمتلك الأفراد الأمريكيون أكثر من 400 مليون قطعة سلاح.
· حوالي 30% من الأمريكيين يمتلكون سلاحًا شخصيًا.
· تسجيل الولايات المتحدة أعلى معدل للوفيات الناتجة عن الأسلحة النارية بين الدول المتقدمة.
هذه الحقائق لا تهدف لتبرير أي عنف في العراق بل لتسليط الضوء على سقوط منطق الوصاية.
كيف لدولة عاجزة عن "نزع سلاح" ميليشياتها الداخلية ومشكلتها البنيوية مع العنف المسلح أن تطالب من دولة أخرى – ذات سياق وتاريخ مختلفين تمامًا – بحل كيانات مسلحة نشأت في ظروف معقدة دون أن يُنظر إلى هذا الطلب على أنه انتقائي ذو دوافع جيوسياسية؟
إنه منطق الهيمنة الذي يتكئ على القوة المتفوقة وليس على الاتساق الأخلاقي أو احترام السياقات الوطنية.
الخطر الأعمق .
العملية السياسية كآلة محتملة لطمس الهوية
الانتقال إلى "العمل السياسي" تحت التهديد المباشر ودون ضمانات حقيقية بتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمقاومة "الانسحاب الأجنبي" يكرّس عدة مخاطر.
· تحويل المقاومة من حالة شعبية جامعة إلى حزب طائفي أو كتلة انتخابية تدور في فلك المحاصصة.
· تسليم قرار السيادة والأمن إلى حسابات ومصالح أطراف دولية وإقليمية تفرض شروطها.
· خسارة البعد الأيديولوجي والأخلاقي الذي يمثل جوهر شرعية هذه الفصائل في نظر جمهورها الأساسي.
ما البديل؟
نحو استراتيجية أكثر حكمة وأقل انكشافاً
إذا كان الهدف هو الحفاظ على الهوية والمشروع الوطني وليس مجرد البقاء المادي فربما يكون المطلوب…
· رفض أي عملية نزع سلاح أحادية الجانب وغير مشروطة والمطالبة بجدول زمني واضح ومضمون لانسحاب القوات الأجنبية كجزء من أي حوار جاد.
· العمل على تحويل البنى العسكرية إلى هياكل أكثر أماناً وأقل مركزية بعيداً عن الاستعراض والانكشاف الاستخباراتي.
· تعزيز العمل الشعبي والسياسي الحقيقي الرافض للفساد والتبعية وليس مجرد الاندماج في لعبة السلطة القائمة.
· بناء تحالفات إقليمية ودولية ذكية تزيد من تكلفة أي عدوان مفاجئ وتعزز الموقف التفاوضي.
بالنهاية..التهديدات الحالية سواء كانت رسائل مباشرة أو ضغوطاً غير معلنة كشفت عن هشاشة الموقف التفاوضي للفصائل تحت وطأة القوة الاستخباراتية والعسكرية المتفوقة.
لكن الخطر الأكبر من الضربة العسكرية هو الاستسلام النفسي والهوياتي تحت شعارات "المرونة السياسية" أو "الواقعية".
التاريخ – وتجربة الآخرين مع القوى المهيمنة – يعلمنا أن من يسلم سلاحه الشرعي دفاعًا عن وجوده تحت التهديد المباشر يفقد مقدرته على التفاوض.
وأن من يتخلى عن هويته النضالية من أجل مقعد يصبح تابعًا حتى لو جلس على كرسي الحكم.
. الدرس المستفاد الأهم .
لا تبيعوا هويتكم وشرعيتها التاريخية بثمن السلاح المؤقت فهي أغلى من أن تكون ورقة مساومة تحت التهديد.
والمفارقة التي يجب أن تبقى نصب الأعين .
. أن من يهددكم اليوم لم يحل مشكلة السلاح والخروج على سلطة الدولة في فناء بيته الداخلي.
علاء الطائي