سُقوط بَغدّاد .. الرقصة الأخيرة على رؤوس الأفاعي
2023/03/01
 
436

عدنان شاكر 

- بعد أيام قليلة تُطْوى عشرون عامًا على جرح الاحتلال وسقوط بغداد الذي فقأ العيون وأدمى القلوب . ذاكَ اليوم الذي وقف فيه العراقيون أمام قدرهم وفرائض حياتهم وكأنهم في دائرة لا بداية ولا نهاية لها ، فلا اتجاههم معروفا ولا موضعهم محددا ، وأخذت البلاد تمشي بقوة العطالة وبآخر أنفاس البقاء ، وحَلَّتْ أحداث رهيبة على البلاد والعباد هي الأشد خطورة وقسوة على مدى التاريخ . وتعرضت الهوية العراقية الوطنية لاهتزازات عنيفة في ظِل حالة الفرقة والتنابذ الطائفي والعرقي والمناطقي ، وما بين المعاناة والمأساة التي جايلها العراقيون ، وأمام كل المخاطر التي جابهتهم لم تستقر الأحداث على اتجاه واحد ، فتعذر انتشال العراق من مصير محتوم وصار مآل الدولة إلى الضياع والتلاشي التام ، حينما تكرر الخطأ القاتل بتجاهل التاريخ الذي عَلَمَنا ، أن الشعوب هي المسؤولة عن مصير أوطانها ، وإن الاستقواء بالأجنبي مهما كانت المطالب والمبررات حقيقية ومشروعة ، لن يؤدي إلا لخراب البلدان وضياع الأوطان . لقد رَقَصَّ الجميع بلا استثناء على رؤوس الأفاعي ، رقصوا مسحورين ، رَقصَتهُم الأخيرة التي صَعَقَت بغداد الوطن والتاريخ والحضارة بلدغة مميتة .
كل ذلك جرى تحت ستار كثيف من الدخان الاعلامي ، قادته كبرى مؤسسات الدعاية العالمية . حيث وأثناء الغزو كانت الطروحات على الساحة العراقية تتحدث عن حكومة تكنوقراط من ( عراقيين مغتربين ) يعيشون في أوروبا وأمريكا ، بمعنى حكومة تضم كبار العلماء وحملة الشهادات العليا والخبراء والمتخصصين في علوم المعرفة والتكنولوجيا ، ستنقل العراق إلى مصاف الدول المتقدمة . هكذا تم تسويق ما أسموه بالمعارضة دعائياً ، كجراحين محترفين يحسنون استخدام مباضعهم لاستئصال علل المجتمع وسيبذلون كل جهدهم للرقي بالانسان العراقي على ضوء ما تعلموه وشاهدوه في الدول المتحضرة التي عاشوا فيها . حينها ظن المواطن العراقي الذي شهد ثلاثة حروب ضارية وحصار اقتصادي جائر لم تعهده الانسانية من قبل بأنه سينعم بالتنمية والخير والأمن والسلام في ظل الغزو التكنولوجي القادم من دول الحداثة . لكن فيما بعد تبين للعراقيين أن الوافدين مع الغزاة وبالخصوص ( مجموعة السبعة ) التي شكلت فيما بعد ( مجلس الحكم المؤقت ) أو مجلس بريمر السيء الصيت ، لم يمارسوا في الغربة حتى تخصصاتهم على شحتها !! بل كانوا يعملون في التهريب وعروض علب الليل والبعض الآخر في النصب والاحتيال والتسكع كالشحاذين على أبواب السفارات الأجنبية يبيعون أسرار وطنهم للأعداء . أيضًا ظَنَّ العراقيون أن هؤلاء الوافدين مع الغزو كانوا يعيشون كالطيور في سماء أوروبا الصافية وليس كالقوارض الجائعة . لهذا سرقوا البلد ونهبوا خيراته وعرضوا الناس للفقر والعوز والموت والقتل والارهاب واللجوء والهجرة الجماعية في طوابير طويلة ذليلة أمام مكاتب المنظمات الدولية الإنسانية ، من أجل  تَسَوُّل ملاذ آمن في أيةِ بقعة من الأرض بعيدة عن العراق .  
- أيهذا الشَتّات الذي صارّ لي وطناً ، سأؤثث مَنفاي ، والبلاد التي حلمت تناهبها الغزاة والجَراد ...
( بلاد تُجَرُ إلى المقصلة
وليلا يطول ما أطْوَلَهْ
وعرشا تسَلَقَهُ القتلة
وشعبا يَئنُ ولارَبّ لَهْ )
وأنت أيها الغريب ، تتقاذفكَ المُدُن ، ورياح الغربة تكنس بقايا أوراق عمرك اليابسة ....
( كالصناديق تَحْمُلُنا مُدُن , وتُصَدُرنا مُدُن
المّدى ضَيِق ، وزماني انتهى في الكؤوس إلى شَجَنْ
صاحَ بيّ النادل  : أين الحساب ؟
تَحَسَسْتُ ما ظَلَّ في الجيب من وَطَنْ ) …  وبكيت .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟