من هو المثقف ؟
2023/02/25
 
1875
عدنان شاكر 
كثيرًا ما نسمع ، خصوصًا من بعض الأكاديميين يقولون إن فلان شخص لطيف ولكنه ليس مثقفًا . ضمنًا هذا الكلام فيه شيء مفاده أنه من الصعب إجراء محادثة مثيرة للاهتمام مع شخص غير مثقف . بالنسبة لهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين ، فإن المحادثة المثيرة للاهتمام تعني تناول مواضيع معينة ومناقشتها بعمق - تحليليًا ونقديًا وفكريًا - أو التركيز على مواضيع مرتفعة المستوى ، مثل النظريات بدلًا من الأمور العملية . عالَم واسع من هؤلاء المثقفين هم أشخاص يجادلون مطولاً ، ويُعَقدون الأفكار البسيطة ، ويُدلون بتصريحات مقتنعون بأنها عميقة كما تبدو حتى لو لم تكن كذلك . إنهم يحبون الكلمات الفخمة ، لذلك ، يتحدثون كثيرا ويصفون أنفسهم بأنهم مبتلون .. أن تكون مثقفًا في عرفهم ، يعني أن تكون أكاديميا وأن تشارك في الخطاب الأكاديمي . هذا هو السبب في أن الأساتذة هم أمثلة رئيسية للمثقفين ، على الأقل في أعينهم . 
أوضح راسيل جاكوبي ( مؤرخ أمريكي وأستاذ جامعي وصحفي رأي ) في كتابه آخِر المثقفين ، أن المثقفين السابقين كانوا يميلون إلى الكتابة للجمهور ( المُتَعَلِم ) ، وأن المفكرين في عصره توافدوا إلى الجامعات ، حيث "سياسة الحيازة تلوح في الأفق أكبر من سياسة الثقافة ". فأمست الأضواء هي منازلهم ، والزملاء جمهورهم ، والدراسات والمجلات المتخصصة ووسائل الإعلام الخاصة بهم هي خاصتهم ".  لقد عرف جاكوبي : المثقفون هم أولئك ( المتعلمون مؤسسياً أو تلقائياً ) الذين يساهمون بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة في إنتاج وتطوير السلع الثقافية - في شكل خطاب أو كتب أو موسيقى أو لوحات أو منحوتات .. وبهذا المعنى يكون المثقفون ، كتابًا وموسيقيين وفنانين وفلاسفة وعلماء ورجال دين واجتماع وما إلى ذلك . تثبت معرفتهم الخبيرة وقدرتهم الاستثنائية على التفكير النقدي .
من خلال متابعتي ، لاحظت أغلب الباحثين في الشأن الثقافي يتفقون - إن محاولة تحديد من هو المثقف تثير استحالة عامة في إعطاء أي تعريف " صحيح  ". لأن صياغة التعريف هنا ، لابد أن تعتمد على سياق الموضوعات التي يطرقها المثقف ، وهي بلا شك موضوعات لايمكن عدها أو حصرها أو التنبؤ بها ، لذلك لا يمكن وضع تعريف صالح علميًا وعالميًا ، ولا يمكن حتى تثبيت " نموذج أولي موضوعي " للمثقف . لهذا ركز معظمهم على تحديد دور المثقف في ( المجتمع ) ، بدل الدوران في متاهات التعريف ، واهتموا بفحص دور المثقفين في المجتمعات الشمولية وما بعد الشمولية ( روسيا ، الصين ، اندنوسيا إلخ ) والديموقراطية ، وتحليل دورهم المتميز ضمن هذه الأنواع الثلاثة من الأنظمة . هنا يرتبط الدور الذي ينبغي أن يتبناه في المجتمع ارتباطا وثيقا بتعريف المثقف . بشكل عام ، يجب على المثقفين تولي منظور عاكس للمجتمع ، باعتبار أن المثقفين ينتجون الأفكار ، إذ يمكن أن تكون هذه الأفكار ذات طبيعة حرجة وقد تحفز على التغيير .
في رأيي ، ووفقا لوجهة النظر الإنسانية ، كل شخص مثقف ، على الرغم من أنه قد لا يكون لديه وظيفة المثقف . والمثقف الحقيقي هو شخص يحتفظ بعقل متفتح ، ومستعد دائما لقبول أن معتقداته وأفكاره قد لا تكون صحيحة ، وإنه يطرح الأسئلة دائما بغية الوصول إلى أفكار وإمكانات جديدة ، ومستفيدا من التعلم من أخطائه ، ويشارك في التفكير النقدي والبحث في أوضاع المجتمع ويقترح حلولا لمشاكله المعيارية ، بعيدًا عن التحيز والعواطف والقيود السائدة . فليس كل من حمل شهادة عليا يعتبر مثقفًا ، وليس كل من كسب معارف ومعلومات كثيرة يعتبر مثقفا ، وليس كل من تعلم وقرأ الكثير من الكتب مثقفا . 
أخيرًا ليس المثقف صديق السلطة ، أي سلطة كانت .. إنه صديق الحقيقة فقط .. والذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب المثقف .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟