
لندن – خاص
أكدت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في تحليل حديث أن هيمنة النظام الإيراني على العراق في تراجع مستمر، وسط تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة داخل البلاد. جاء هذا التحليل بعد الحرب القصيرة التي دارت بين إيران وإسرائيل وأميركا في حزيران/يونيو الماضي، والتي استمرّت 12 يومًا فقط، حيث أظهرت الحكومة العراقية تحفظًا واضحًا وتجنبًا للمشاركة في الصراع، مما كشف عن تراجع نفوذ طهران بين العراقيين، خصوصًا بين الجيل الشاب.
لطالما شكّل العراق ساحة نفوذ استراتيجية لإيران، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث استخدمت طهران الفصائل الشيعية كأذرع سياسية وعسكرية للسيطرة على المشهد العراقي. لكن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2020 كان نقطة تحول محورية في هذا النفوذ، إذ تراجعت سيطرة إيران على الميليشيات التي تحولت تدريجيًا من أدوات طهران إلى قوى تركز على مصالحها الداخلية.
يشير التقرير إلى أن خلف سليماني، إسماعيل قاآني، لم يتمتع بنفس القدرة على إدارة الفصائل المختلفة، مما أدى إلى تضارب مصالح داخل الحلقات الموالية لإيران. بالإضافة إلى ذلك، تحولت هذه الفصائل إلى قوى سياسية واقتصادية ضخمة، تسيطر على وزارات هامة مثل النفط والمعادن، وتتمتع بنفوذ واسع في البيروقراطية العراقية، ما جعلها تحجم عن جر البلاد نحو صراعات إقليمية قد تضر مصالحها.
من بين أهم أسباب تراجع نفوذ إيران، ظهور جيل جديد من السياسيين العراقيين، نبع من احتجاجات 2020، يعارضون بشكل واضح وجود الفصائل المدعومة من طهران داخل النظام السياسي. يعبر هذا الجيل عن استيائه من الفساد والهيمنة التي تمارسها هذه الجماعات، التي بنت إمبراطوريات اقتصادية ضخمة. وقد انعكس ذلك جليًا خلال الحرب الأخيرة، حين التزمت الفصائل إلى حد كبير الحياد، خوفًا من ردود فعل عسكرية أميركية أو إسرائيلية.
تفتح هذه التطورات نافذة أمام قوى سياسية عراقية محلية مستقلة لتكتسب مساحة أكبر، بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية. وبحسب أحد المسؤولين العراقيين، "رغم التصريحات الرسمية، فإن الكثيرين في العراق لا يأسفون على تراجع نفوذ إيران".
في خضم هذه التحولات، يبقى السؤال الكبير حول قدرة العراق على تحقيق توازن جديد بين استقلال قراره الوطني، والمحافظة على علاقاته الجغرافية والإقليمية المعقدة، في وقت تحاول فيه إيران إعادة ترتيب أوراقها لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وبالتالي وكما أتضح من التقرير تتراجع هيمنة إيران في العراق بفعل عوامل متعددة، من بينها موت قائد فيلق القدس، تحوّل الفصائل إلى قوى اقتصادية سياسية، وظهور جيل جديد من السياسيين العراقيين يعارض النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى الحذر من الانجرار إلى صراعات إقليمية. هذا يعكس مرحلة جديدة من الصراع على النفوذ في العراق، تفتح المجال لقوى محلية مستقلة.