مع تعنت القوى الدولية لضرب طهران: ورقة تقدير موقف ترصد تفاعل الشارع العراقي مع تصاعد الأزمة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة
2025/06/12
 
104


لندن – خاص 
مع القرارات بسحب البعثات الدبلوماسية، وإمكانية القيام بعمل عسكري ضد إيران، وسعي إسرائيل العلني إلى ذلك، تتابع ورقة تقدير الموقف الصادرة عن مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن تفاعل الشارع العراقي مع هذه التطورات المتسارعة.
تصاعدت خلال الساعات الماضية نبرة التهديدات الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالتزامن مع قرارات أمريكية بخفض التواجد الدبلوماسي في عدد من الدول، بدءًا من البحرين والكويت وصولاً إلى العراق. وفي خضم هذا التصعيد، أصدر مركز "رصد" في العاصمة البريطانية لندن ورقة بحثية تناولت أبرز المؤشرات المرتبطة بهذه الأزمة، خاصة فيما يتعلق بانعكاساتها على الساحة العراقية.
تشير الورقة في بدايتها إلى تزايد المؤشرات على تصاعد حالة الرفض الشعبي في العراق للنفوذ الإيراني، بما يتجاوز الاعتراضات السياسية والطائفية المعتادة، ليأخذ شكلًا أكثر عمقًا وتجذرًا في الشارع، لا سيما في شمال البلاد. وقد رصد قسم المتابعة التقنية بالمركز عددًا من التحركات والفعاليات الرمزية التي تعكس هذا الاتجاه.
فعلى سبيل المثال، أُظهر مقطع مصور من مدينة أربيل مظاهر احتجاج أمام القنصلية الإيرانية، تضمنت رفع لافتات تهاجم التدخل الإيراني بشكل مباشر وتطالب بخروج طهران من المشهد العراقي. كما لوحظت مقاطعة فعلية للريال الإيراني في عدد من المتاجر، في رسالة اقتصادية تعبّر عن رفض عملي لتحويل السوق العراقية إلى منفذ اقتصادي لإيران للتحايل على العقوبات الدولية.
المشهد العام، بحسب الورقة، لم يعد مجرد تعبير عن استياء، بل أصبح حركة مدنية متصاعدة تنبئ بتغيير حقيقي في المزاج الشعبي، وتتماشى مع حالة الغضب المتراكمة من تدهور الوضع الاقتصادي، والتدخلات السياسية والعسكرية الإيرانية في العراق.
في السياق الإقليمي، تشير الورقة إلى أن هذه التحركات الشعبية العراقية تتزامن مع دعوات متزايدة في واشنطن وتل أبيب لتوجيه ضربة عسكرية مباشرة لإيران، بسبب برنامجها النووي وأنشطتها العسكرية في المنطقة. وتلفت الورقة إلى أن إسرائيل تُعد الطرف الأكثر حماسة لهذا الخيار، على خلاف الولايات المتحدة، حيث يعكس موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – الذي قال إن الإيرانيين "محترفون في السياسة والمفاوضات" – رغبة في التعامل مع طهران بأسلوب تفاوضي، بعيدًا عن الخيار العسكري.
هذا التباين في المواقف، كما ترصده الورقة، يظهر جليًا أيضًا في تعاطي ترامب مع أزمات أخرى مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، أو العدوان المستمر على غزة، حيث يفضل كبح التمدد العسكري المباشر وتفادي الانخراط في صراعات طويلة الأمد.
وفي ضوء تحليل ما يقرب من 450 تعليقًا ومنشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ترصد الورقة حالة من الحذر والقلق في الشارع العراقي إزاء نبرة التهديد الدولية ضد إيران. ويخشى كثير من العراقيين أن تتحول بلادهم إلى ساحة صراع جديدة، سواء كموقع لضربات استباقية، أو كأرضٍ يستخدمها وكلاء إيران للرد على أي هجوم محتمل.
اللافت في الورقة أن الاعتراضات لا تأتي فقط من جماعات أو أفراد موالين لإيران، بل تشمل عراقيين من خلفيات متعددة، بعضهم يعارض النفوذ الإيراني لكنه يرفض في الوقت ذاته استهداف دولة جارة، إدراكًا للمآسي التي خلّفتها الحروب والتدخلات الأجنبية.
وتؤكد الورقة أن الرسائل القادمة من الشارع العراقي تمثل نوعًا من الاستباق السياسي والشعبي، في محاولة للنأي بالنفس عن صراع إيراني-إسرائيلي محتمل، ورفض لاستخدام العراق كورقة ضغط في هذه المواجهة.
ويفهم من هذه المواقف الشعبية، كما تخلص الورقة، أنها تحذير مبكر بأن العراق يجب أن لا يكون درعًا بشريًا ولا مسرحًا لصراع لا مصلحة له فيه، ما يحمّل الحكومة العراقية مسؤولية كبيرة لتحييد البلاد عن خطوط النار، وإعادة ضبط علاقاتها الإقليمية بما يضمن سيادتها وأمنها واستقلال قرارها الوطني.
وتنبه الورقة إلى أن تجاهل هذه الرسائل الشعبية قد يؤدي إلى انفجار الغضب وفتح الباب أمام موجة جديدة من الاضطرابات، خاصة في ظل تشابك خطوط النزاع في المنطقة، من سوريا إلى لبنان فالعراق واليمن. وفي حال اندلعت مواجهة مباشرة بين إسرائيل أو الولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، فإن العراق سيكون – مرة أخرى – في قلب العاصفة.
تختم الورقة بالإشارة إلى أن المزاج السياسي العام في الشارع العراقي يرفض من حيث المبدأ أي عمل عسكري ضد دول الجوار، سواء إيران أو غيرها من الدول العربية، انطلاقًا من تجربة العراق القاسية مع الحروب، وحرصًا على الاستقرار النسبي الذي تحقق بعد سنوات من المعاناة.
وترى الورقة أن هذه الأصوات الشعبية تشكل فرصة لإعادة رسم ملامح التوازن الإقليمي، إذا ما استثمرت بطريقة ذكية ومدروسة، وعبر أدوات سياسية وإعلامية فعالة، تسمح للعراق باستعادة دوره الطبيعي كدولة ذات سيادة، لا مجرد ساحة لصراعات الآخرين.
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟