القانون أمام حكم الأعراف في نصرة ضحايا العنف الاجتماعي
2021/06/22
 
917

محمد صالح

لا يختلف إثنان على أن الفطرة الإنسانية، ترفض العنف بكل أشكاله، وعندما نتحدث عن مجتمع كالعراق،  فلا يخفى على الكثير من النساء والأطفال ممن يتعرضون للعنف الإجتماعي بكل أنواعه، الرغبة في أن يتقدموا بشكوى عن المعتدي ويعودوا إلى دائرة الأمان، لكن التجربة الواقعية تركت في أنفس العديد منهم قناعة الإمتناع عن التبليغ والإقتصاص من الجاني، بسبب ضعف القانون، الذي يقف عاجزاً عن الحماية، بذريعة أنها "خلافات اسرية".

هل أن القانون يحمي المرأة من حكم العرف المجتمعي؟
تروي زينب قصة زميلتها هند، ذات الـ 25 عاما، بعد أن فقدت الأمل من طريق ينجيها، من محيط عائلة حرمتها من التعليم أولاً وتركتها لفكرة "أن المرأة خُلقت لتنظيف المنزل وتلبية متطلبات أفراد ألعائلة فقط". 
لم تكن هند تعلم بأنها تتعرض إلى عنف له تصنيف رسمي، رغم شعورها بالعجز والظلم والإجحاف بحقها، وكانت تعلم في قرارة نفسها بأن الحياة فيها من الفرص والتجارب العديدة، التي لا تقتصرعلى تنظيف المنزل فقط وتحضير الطعام ".
بالاخص، بعد أن فرض عليها والدها، الزواج بعمر الـ 16 عاماً من أحد اقرباءها، وكانت تعتقد بانها ستنطلق لحياة جديدة، لكنها فوجئت بما واجهته وبدأت تتمنى العودة لبيت والدها، بعد ما تعرضت له من عنف جسدي وممارسات مؤذية من قبل زوجها، الذي يرى بأن من حقه أن يؤدبها بالضرب! ظنا منه بأن هذا ما أمرت به الشريعة والأعراف وحتى القانون!
هند، كانت لاتعلم حتى بوجود قانون يحميها من كل ممارسة مؤذية بحقها، حتى جاءتها إحدى جاراتها من النساء التي تعرفت عليها بعد زواجها، بعد أن رأت ملامح العنف على وجهها، فاخبرتها إن بإمكانها تقديم شكوى لمراكز حماية الأسرة في حال تعرضها  للعنف الجسدي مرة أخرى، وبأن القانون سيحميها.
وبالفعل ذهبت هند، وكانت هي المرة الأولى التي تخرج فيها من المنزل، بدون علم زوجها لتلجأ للقانون، بعد أن تعرضت لرضوض وتورم في الفك السفلي للوجه، وأيضاً بعد أن فقدت الأمل بحماية والدها لها، لكن ورغم أن مهمة الفريق النسائي في جهاز الشرطة المجتمعية هي التوصل إلى الصلح، إلا أنه في حال رفض الضحية للصلح ورغبتها في تسجيل شكوى، تقوم الشرطة بتوجيه الضحية وتساعدها بتوثيق الإصابات الناجمة عن التعرض للتعنيف، لكن هند، لم تستطع أن تسجل الشكوى خوفاً من تبعات هذا التصرف، الذي سيتركها بدون معيل أولاً، وثانياً سيجعلها تواجه أعراف قبلية تحاسبها على فعلتها هذه.
عادت هند الى المنزل وقد أصابها الذعر والخوف، ولاتدري أين المفر، حتى جاَء اليوم الذي قررت فيه كسر حاجز الصمت، لتبلغ عن زوجها الذي تُرك خلف القضبان، لتُتركَ هي "تحت التراب"! 

هل تكفي آثار العنف الإجتماعي لتفعيل القانون؟
الباحثة الإجتماعية نادية عبد الحسن، تؤكد بأن الآثار السلبية لإستمرار العنف قد تؤدي الى الإنتحار من قبل الشخص المعنف، لانه يرى بأن النتيجة واحدة سواء تكلم أو إتخذ من الصمت وسيلة، طالما أن الحكم الأخير للتقاليد والأعراف المجتمعية.
وتؤكد نادية، أن العنف ضد النساء والفتيات هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان إنتشاراً وتدميراً، لكن ما يزال معظمه غير مبلغ عنه بسبب إنعدام العقاب والإحساس بالفضيحة ووصمة العار المحيطة به، لذلك فان أولى أدوات الحد من العنف هي بتمرير قانون العنف الأُسري رغم الشكوك حول قدرة القانون على مواجهة حكم العرف المجتمعي، مؤكدة ان "الأخطر في هذا الوضع هو إنتقال الآثار السلبية للعنف الى أفراد الأسرة".
وختمت حديثها بالقول "مايزال المجتمع غير حامي للمرأة والطفل، ولابد من  توعية الرجال قبل النساء، لأنهم جزء أساسي من حملة التغيير والحد من العنف".

خيارات النساء المعنفات في العراق؟
المحامية "نضال أحمد" التي تعمل في مجال الدعم القانوني للنساء، ترى بخصوص خيارات النساء المعنفات في العراق بأنها محدودة، وتؤكد على ضرورة دعم المرأة لكسر حاجز الخوف، والمطالبة بحياة حرة كريمة، وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني، في توفير الحماية والتوعية للنساء اللاتي يطلبن المساعدة والإرشاد، لانهن سيكونون أمام خيار الإنتحار أو ينتهي بهن المطاف في الشارع مهددات بالعمل في الدعارة، او الذهاب لدور الرعاية التي تؤكد الأخيرة بأن وجودها مثل عدمه، وتضيف أن هذه الدور غير مجهزة بما يجب حيث أنها لا تحتوي على مراكز علاج نفسي أو نظام كاميرات مراقبة لرصد حالات التعنيف "داخل الدار ذاته " .


العقوبة من خلال القانون؟
القانون العراقي يعطي الحق لإرتكاب العنف تحت حجة "حق التأديب"، حيث ينص قانون العقوبات العراقي في المادة 41 "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحقٍ مقرَّر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالاً للحق، ومنها تأديب الزوج لزوجته، وتأديب الآباء لأبناءهم وبناتهم ، والمعلمين لطلبتهم ، ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً "، لذا فإن " بعض النواب إعترضوا على تمرير قانون العنف الأُسري، لأنهم لا يعتقدون بأن ينبغي على الدولة معاقبة جرائم الشرف أو عقاب الوالدين الجسدي لأطفالهم أو تأديب الزوج لزوجته" بحسب عضو مفوضية حقوق الانسان زيدان العطواني.
رؤية حيادية 
عند إستثناءنا لنسبة الرجال من الأزواج وأولي الأمر الذين يعانون من إضطرابات وأمراض وضغوطات نفسية، تدفعهم لإستخدام العنف قبل أي طريقة أخرى  لحل أي موضوع أو خطأ يرتكبه أطفالهم أو زوجاتهم، فأن النسبة الأخرى من الرجال(ضمن الاستطلاع) تؤكد على أن "العنف له مبررات وأسباب، وأنهم قد لجأو للحلول الدبلوماسية ولم تنفع"، أما البعض الآخر، فيؤكد على أن "العقاب يكون على مستوى الفعل الخاطىء الذي يرتكبه الطرف الآخر من الأطفال والنساء، وأن العنف ضد الأطفال بمفهومهم بأتي ضمن أساليب التربية، وان العنف ضد الزوجة يأتي ضمن "تصحيح أخطاءها كي لا تقدم على خطأ أكبر، إن لم تنفع معها لغة الحوار"، ويضيف أحدهم بأن " أجيال مابعد عام 2003 من الذكور والإناث، باتت آفاقهم متفتحة على العالم بكل تفاصيله عبر أدوات العولمة وما يخصها من مواقع التواصل الإجتماعي، مما إنعكس على تصرفاتهم ورؤيتهم للحياة بصحيحها وخاطئها، بينما الأعراف والتقاليد لازالت كما هي، مما خلق فجوة كبيرة في التعامل بين الآباء وأفراد الأسرة وما بين الأزواج وزوجاتهم وحتى المعلمين وطلبتهم"، وهنا يأتي دور التوعية المجتمعية للطرفين و تفعيل الخدمات المجتمعية الإستشارية للتعامل مع هذه القضايا بإحترافية وسلمية .



إحصائيات
دراسة أجرتها وزارة التخطيط بالتعاون مع منظمة هيومن رايتس ووتش عام 2012 وجدت أن 36% على الأقل من النساء المتزوجات تحدثن عن تعرضهن لشكل من أشكال الأذى النفسي من أزواجهن و23% للإساءة اللفظية و6% للعنف الجسدي و9% للعنف الجنسي.
وكان مسح "صحة الأسرة العراقية للفترة 2006/7" قد كشف أن واحدة من كل خمس نساء عراقيات تتعرض لعنف جسدي.
بالتالي يبقى العنف ضد المرأة  شكلاً من أشكال التمييز، وانتهاكاً لحقوق الإنسان، ولابد من الإلتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية، التي صادق عليها العراق، ليتحقق الإنسجام مع ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الأممية.
"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟