تعددت القصص والمعاناة واحدة
2021/06/21
 
1803

ياسمين الأسدي

خلاف عائلي تحسمه ميليشيا إسلامية، لتتحمل تبعاته جنات ابنة السابعة والتي تُركت من دون أم، معتقدة أنها في عداد الموتى، زيجة بين مكونين انتهت بتهديد الزوجة بالتصفية من قبل جماعة مسلحة، لتترك ابنتها وترحل، مودعة تفاصيلها وما تبقى منها لزوجته الأخرى.

تتحدث ماريا (إحدى القريبات من جنات) "ترتدي جنات ملابس شتائية في الصيف، جميع محاولاتنا للعناية بها من وقت لآخر تتلاشى أمام سطوة زوجة والدها وضرب اولادها".
جنات لا زالت طالبة في المرحلة الابتدائية إلا أنها لا تتلقى تعليم جيد في المنزل، فلا يوجد من يعتني بها، حتى شعرها المليء بالحشرات لا تجد من يعيره أي اهتمام أو يعتني بنظافتها الشخصية.

يتعرُّض الأطفال للتعنيف والاعتداءات اللفظية والنفسية والبدنية المختلفة، على يد ذويهم، في العراق، وازدادت الحالات في السنوات الأخيرة. ومعظمها حالات تتطلب تدخل السلطات الأمنية فيها، ولم تظل طي الكتمان، بل وصلت إلى وسائل الإعلام، بالإضافة إلى التداول فيها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول الحقوقي صفاء اللامي "أن الاجراءات التي تتبع في حالات تعنيف الاطفال تحرك الدعاوى الجزائية أمام كل من يقوم بفعل التعنيف وتختلف العقوبات حسب الفعل، والقضاء ينظر الدعاوى ويتخذ الاجراءات القانونية بحق مرتكبي أفعال التعنيف، اما الجهات التي تقوم بمتابعة حالات التعنيف هي وزارة الداخلية العراقية قسم الاسرة والطفل والشرطة المجتمعية وشرطة الأحداث، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأخرى مثل نقابة المحامين وغيرها وحتى المواطنين".

بلغ عدد القضايا الخاصة بتعنيف الأطفال أمام المحاكم العراقية (1606) خلال العام ما قبل الماضي (2019) بحسب مجلس القضاء الأعلى.

فيما أكد اللامي أنه " لا يوجد احصائية محددة لحالات العنف ضد الأطفال بسبب عدم وجود رقابة صارمة على ذلك سوى بعض الارقام التي يعلن عنها مجلس القضاء الأعلى، وهذا لا يعني ان جميع الحالات تصل الى القضاء، من جانب اخر فان حالات العنف في تزايد مستمر بسبب انهيار المنظومة القيمية المجتمعية".

"اثار حروق وعلامات لسكينة مطبخ جراء عقوبات متواصلة من اولاد ابيها، ابنته البالغة ( 16 عام) واثنين من الأولاد البقية" ماريا تتحدث حول ما تراه على جسد جنات في كل مرة تزورها.

قانون العقوبات رقم (111) لسنة (1969) ‏المعدل، وكذلك قانون رعاية الأحداث العراقي تناولا أهم العقوبات المتعلقة بممارسة العنف ضد الأطفال، إذ أكد ‏قانون رعاية الأحداث على عقوبة سلب الولاية من الأب أو الأم في حال تعرض الطفل للإساءة ‏أو الاعتداءات.

فيما يبين اللامي "يتم التعامل مع العائلة التي تعنف اطفالها باتخاذ اجراءات قانونية بحقهم ويحالون الى المحاكم المختصة حسب جسامة الفعل ولكن هذا فقط الحالات التي تحرك بها شكاوى أو يتم إخبار السلطات عنها، أما حالات التعنيف داخل الأسر كثيرة ولا يعلم بها سوى الأسر نفسها". 

"ما يهمه قنينة من الشراب بعد كل إجازة عمل يقضيها في المنزل، أبيها الذي يشغل منصب في إحدى وزارات الدولة" ماريا تتحدث عن والد جنات.

بعد مناشدات من منظمات محلية ودولية لإقرار قانون مناهضة العنف الأسري عقب ازدياد حوادث العنف  أثناء الحجر المنزلي للحد من جائحة كورونا، قامت الحكومة بإرسال المشروع إلى البرلمان لمناقشته وتمريره ليصبح نافذا، إلا أن العديد من الجهات المعنية وقفت ضد تطبيق القانون بذريعة أنه منافي لعادات وقيم المجتمع وللتعاليم الدينية.

وأضاف اللامي أن "اقرار قانون العنف الاسري وحده ليس كافيًا للحد من ظاهرة تعنيف الاطفال وانما يجب ان يكون هناك بناء للمجتمع يبدأ من الدولة بكافة سلطاتها والحكومة ومؤسساتها ويساهم ابناء المجتمع في ذلك بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم، مرجعيات دينية، وشيوخ عشائر، ومنظمات، ونقابات، واتحادات، وجميع ابناء المجتمع. يجب ان تكون هناك مساهمة فاعلة لإعادة بناء المجتمع المتفكك، الذي بدأ ينهار باضطراد مستمر، ما يؤدي الى تفشي الجريمة والانحراف وهو بالتالي انعكاس للنزعة العدوانية التي تؤدي إلى تعنيف الاطفال'.


 أما رسل ابنة الثامنة، بذرة زواج غير مصدق من قبل المحكمة، تركت بين عدم الاعتراف بهوية والدتها وبين أسياط زوجة والدها، 
حرق، وضرب، وتعذيب، واثار غرز أبر، وأعمال منزلية لا نهاية لها، وحرمان من الدراسة، دون هوية تعريف خاصة بها.

الجدير بالذكر أن هناك مواد قانونية تسمح للزوج والأب بتأديب الأبناء، بالضرب ما لم يتجاوز حدود الشرع، حيث أن المادة (41) من قانون العقوبات العراقي تنص على أنه "لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا".

"ذات يوم ونحن في المنزل بضيافتهم، حدث شجار بين رسل وزوجة أبيها، فرمت الأخيرة البنت من أعلى السلم وحدث لها ارتجاج في الدماغ، وصحتها بدأت بالتراجع منذ ذلك اليوم".
احدى قريبات رسل تتحدث (طلبت عدم ذكر إسمها)

الباحث النفسي دكتور كريم الترابي، يبين أن "اذا كان هناك ضرب مبرح في مناطق حساسة كالرأس قد تقود الطفل إلى أمراض عقلية وعاطفية ونفسية ويواجه صعوبة في التفاعل مع المجتمع بعد الحادث، وينتج عنه مشاعر مضطربة مثل الخجل والغضب ورهاب اجتماعي وتسمى تلك الحالة اضطراب ما بعد الصدمة".

ويضيف الترابي أن " وجود دور تأهيل ومعالجة للأطفال يكاد أن يكون معدوم وحتى إن وجد فأن طرق العلاج فيه غير فعالة وغير مجدية وقلة من الأهل يلجؤون اليه، هناك حالات عديدة لأطفال تعرضوا للضرب الشديد مما أفقدهم القدرة على السمع أو الرؤية وبالتالي عدم الإندماج مع المجتمع وممارسة حياتهم بصورة طبيعية".

ويشدد الترابي على أن "الأغلبية في هذه الظروف تنقصهم ثقافة التربية والتعاطي مع الاطفال خصوصًا بعد جائحة كورونا، وازدياد حالات التعنيف والإساءة والجرائم داخل الأسرة الواحدة".

وفي وقت سابق أعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف، عن "حزنها البالغ وقلقها الشديد بشأن التقارير الحالية المتواصلة حول العنف ضد الأطفال في العراق"، مضيفة أن العنف بدأ يتصاعد بشكل ملحوظ، ضد الأطفال، منذ بداية جائحة كورونا.


تضيف قريبتها "حرمت رسل من حنان والدها، ومن غياب رقابته في المنزل، فأولاده البقية يمارسون هوايتهم المفضلة في الضرب المبرح لها، من دون أن يردعهم أحدًا ما، أما زوجة أبيها فأحدى المرات ضربتها وأحدثت فج عميق في فمها والكثير من المواقف التي تدمي القلب".

يذكر أن وزارة الداخلية العراقية سجلت  (15000) حالة عنف منزلي في العراق في العام الماضي وأن الأمم المتحدة أعلنت أن "80 ٪ من أطفال العراق يتعرضون إلى العنف في المدرسة والمنازل ولا يتلقى الكثير منهم بأي شكل من أشكال المساعدة من قبل الحكومة".


تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟