- "ماذا قيل" - نحو وعي فكري وسياسي يرتقي بالفكرة فوق الشخص
2025/12/09
 
72

بداية -
في خضمّ الاستحقاقات السياسية كثيراً ما يطغى منطق "مَنْ القائل" على جوهر الحوار فيتحول النقاش من تحليل الأفكار والمشاريع إلى تجريح الأشخاص وتقزيم مساحات الاختلاف.
 قضية الترشح لرئاسة الوزراء في العراق كما تجسدت مؤخراً في ترشيح "سلام عادل" تعيد إحياء سؤال جوهري.
  . هل نقيّم الفكرة لمصلحتها أم لصاحبها؟ 
  . وهل يمكن أن نتحوّل من ثقافة التسقيط إلى ثقافة التقييم النقدي البنّاء؟

١. الإشكالية .
 بين "مَنْ القائل" و"ماذا قيل"
ما أن أعلن "سلام عادل" ترشيحه عبر عرض "مصور" لرؤيته حتى انقسمت الساحة بين مؤيد يهاجم ومدافع يهاجم. 
لكن الخطير في الأمر هو أن الانتقادات غالباً ما اتجهت نحو الشخص لا نحو المضمون.
 هذا الاستقطاب يعكس أزمة منهجية في ثقافتنا السياسية حيث يغيب التحليل الموضوعي لحساب الهويات والتحالفات.

٢. منطق "ماذا قيل" .
 المعيار الذي أرساه الإمام علي "ع"
يقدم الإمام علي "ع" قاعدة خالدة. "اعرف الحق تعرف أهله".
 أي أن نقطة الانطلاق يجب أن تكون البحث عن الحقّ أولاً ثم البحث عن من يحمله. 
وهذا يعني أن الأولوية للفكرة والمشروع والقيمة قبل أن تكون للشخص.
 تطبيق هذا المنطق يعني أن نناقش رؤية "سلام عادل" بغض النظر عن هويته ونحاكمها بناءً على قدرتها على معالجة أزمات العراق.

٣. فتح الباب .
خطوة الإطار التنسيقي بفتح باب الترشح ليست خطوة جديدة من حيث المبدأ بل هي آلية واقعية تأسست عملياً عبر تراكم الانسداد السياسي في كل دورة حكومية – وهو ما توقعناه وتحقق عملياً كما أشرنا في مقالات سابقة حيث تبنّينا فرضية أن الإطار سيضطر في النهاية إلى اللجوء لمرشح من خارج التحالف.
فتاريخياً وعندما تتعذر التسويات الداخلية داخل الكتل الكبرى يبرز الخيار "خارج الصندوق" كمخرج عملي. 
وهذا ما شهدناه مع تسمية حيدر العبادي ثم عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي ومحمد شياع السوداني.
 اليوم يعود هذا الخيار الواقعي إلى الواجهة كضرورة حتمية مما يدفع قادة التحالف إلى البحث مجدداً عن شخصية مقبولة من خارج دائرة الخلاف المباشر.
إلا أن تكرار هذه الآلية يؤكد الحاجة إلى تحويلها من "خيار طارئ" إلى "آلية مؤسسية" تحدد معايير وأدوات تقييم موضوعية بدلاً من تركها رهناً للظرف السياسي العابر
  . كيف ننتقل من "فتح الباب" إلى "ترشيد الاختيار"؟ 
هنا يأتي دور النخب والجمهور في تقديم تصورات وآليات عملية كالترشيح "خارج الصندوق" الذي قد يكون مدخلاً لحلّ الإغلاق السياسي المتكرر.

٤. سلام عادل .
 . جرأة في العرض وإثارة للجدل المثمر بغض النظر عن الآراء في شخصه فإن طريقة عرضه لرؤيته عبر فيديو مصوّر تحمل عدة إيجابيات .
  · ترجمة عملية لخطاب المرجعية الذي طالب النخب الواعية بالمبادرة.

 · تحريك المياه الراكدة داخل الأروقة السياسية.

 · خلق حوار جديد حول آليات الترشيح ومواصفات المرشح.

 · تقديم نموذج لـ "الصوت الواثق" في وقت يحتاج العراق إلى خطابات واضحة وجريئة.

٥. المسؤولية المشتركة .
 النخب والجمهور أمام اختبار الوعي
ليست المسؤولية على السياسيين فحسب بل أيضاً على النخب الثقافية والإعلامية والجمهور الواعي.
 فبدلاً من الانجرار وراء التجريح يمكن لنا.

 · تحليل الرؤى المقدمة بمهنية.

 · تقديم مقترحات لآليات ترشيح عادلة.

 · تبنّي خطاب يحوّل "اللا مألوف" إلى "مألوف" عبر التركيز على الجوهر.

٦. نحو مناخ صحي .
 كيف نجعل "ماذا قيل" هو السائد؟

  · في الإعلام .
 الانتقال من أخبار الهجوم والرد إلى تحليل البرامج والسياسات.

  · في المؤسسات السياسية . اعتماد معايير موضوعية في تقييم المرشحين.

  · في المجتمع .
 تشجيع الحوارات الفكرية التي تفصل بين الرأي والشخص.

  · في التعليم .
 تعليم الأجيال النقد البنّاء وتقبّل الاختلاف.

     . بالنهاية -
العراق أمام مفترق طرق.
 إما أن يبقى سجين منطق "مَنْ القائل" وصراعات الهوية.
 أو أن ننتقل إلى مرحلة ناضجة نَحترم فيها الرأي الآخر ونُقيّم الأفكار بمعاييرها لا بمرجعيات أصحابها. 
ترشيح سلام عادل – بغض النظر عن نتائجه – يمكن أن يكون فرصة لاختبار نضجها الفكري والسياسي. 
لننتقل من ثقافة "التسقيط" إلى ثقافة "التقييم" ومن منطق الهوية إلى منطق الفكرة. 
لأن الحق كما علّمنا الإمام علي "ع" يُعرف أولاً ثم يُعرف أهله.

    علاء الطائي
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟