
د.شاكر كتاب
ينسب إلى احد الحكماء العرب قولٌ: ان المرء مخبوء تحت لسانه. وهناك قول صادفته في اكثر من مكان: دعه يتكلم كي اعرفه. اللغة اذن في حقيقتها ليست وصفية لما يقع خارج جسم الإنسان ويصلنا عن طريق الحواس لنكتشف ماهيته ثم يتولى الدماغ وقدراته المتنوعة عملية تسمية الأشياء وجمعها في عبارات شاملة تعكس موقفنا منها وشعورنا اتجاهها، انما من طرف آخر تتحسس ملكاتنا اللغوية ما يعتمل في دواخلنا من مشاعر وعواطف وأفكار وتصل إلى الدماغ كي يصوغها بما يتناسب مع درجة الوعي والغرض المنتظر منها. لنلاحظ اذن ما يلي: ان ما يقع امام حواسنا تشمله لغتنا وكذلك ان كل ما يجري في دواخلنا من فعاليات نفسية وشعورية وفكرية وغيرها سيكون مادة لقدراتنا اللغوية. الاشياء داخل أجسامنا والأشياء الواقعة خارجها مستقلة استقلالاً تاماً عن ارادتنا ورغباتنا. لكننا نتفاعل معها بالاحاسيس ثم بواسطة اللغة فتذهب نحو المتلقي كي تنتقل اليها بكامل معانيها. لكن هذا الانتقال لا يتم أبدا بهذه البساطة او هذه الميكانيكية التي قد تبدو لنا او لمن لا يعرف قوانين التناسب بين اللغة والفكر. ان اولى قوانين هذه العلاقة بين اللغة والفكر هو غنى معجمنا اللغوي العام. من هنا يكون الفلاسفة والمفكرون والادباء والكتّاب اكثر قدرة وسهولة على التعبير عن خلجاتهم بأنواعها المختلفة من الأميين او الجهلة تماما كما يكون البالغون اقدر على التعبير عن افكارهم ومشاعرهم من الأطفال. وفي العودة إلى ما افتتحنا مقالنا هذا من أقوال تتعلق بالعلاقة بين الشخصية واللغة نقول ان التأثير متبادل بين الاثنين. فكلما اتسع الواقع امام أعيننا او في دواخلنا تتسع ، كما يفترض، لغتنا ليتمكن المرء من التعبير عن رأيه وفكره وعواطفه. والعكس صحيح. حيث ان الواقع الخارجي والداخلي يتدخل مباشرة في رسم مسارات ملكاتنا اللغوية واتساعها وغناها. لكن من ناحية اخرى فان اتساع اللغة وانتشارها عنصرا ثقافياً فاعلاً يفتح افاقا للتأثير على الواقع وتطويره بما تكتشف اللغة ذاتها من آفاق فكرية ثقاقية وحضارية. ان الربط بين الحقائق في داخل دماغ الانسان وخلاياه سيقتضي تولد صور ذهنية لعلاقات بين عناصر واقعية غير مرئية او يقتضي الحال حضورها ذاتيا تلقائيا استجابة للدفع الذهني الفعال او التدخل البشري المباشر لخلقها وصنعها وهذه الصور الذهنية ستحتاج إلى وعاء لفظي يحتويها ويأتي بها إلى خارج التصورات الدماغية وعلى لسان المتحدث او تجري على قلمه وفي كل الحالات ستصل إلى المتلقي كما اراد لها منبعها الاول. هنا تأتي المرحلة الثانية وهي التفاعل بين اللغة التي صيغت قبل قليل من قبل مصدرها الاول وبين المتلقي اذ يفترض انها ستقوم بنقل تصورات المتحدث وأفكاره ومشاعره إلى ذهن المتلقي كاملةً غير منقوصة فتتسبب في خلق حالة موازية تماما او حتى مطابقة لحالة المتحدث وهذا يعتمد اساساً على سلامة اللغة ووضوح الصورة وحرارة المشاعر او على الاقل صدقها كما يتيح امكانية التفاعل معها من قبل المتلقي. ثراء اللغة لدى الفرد يثبت ثراء عقله وفكره ودواخله أما فقرها فيعكس ما يناسبه من خوائها وركاكتها وسطحيتها.