الهوابط والضوابط
2023/02/14
 
2266

حمزة مصطفى

في الأسبوع الماضي نشرت هنا في "بغداد أوبزرفر" مقالا تحت عنوان "عن المحتوى الهابط" قلت فيه أن "المحتوى الهابط" ليس جديدا بل هو موجود "من قالوا بلى". الفرق يكمن في درجة الإنتشار وسرعته بسبب محدودية وسائل التواصل قبل زماننا هذا. اليوم وبعد سلسلة أحكام السجن التي صدرت بحق أصحاب "المحتوى الهابط" لابد من وقفة لتبيان وتحديد الضوابط التي على أساسها يقاس المحتوى الذي يجري التعبير عنه في الهواء الطلق طبقا لمعايير العالم الرقمي والإفتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا). عمليا وفي ظل توسع الشبكة العنكبوتية وإستمرار ظهور المنصات الخاصة بطرق التواصل والتعبير وتداول الرسائل والمحتويات فإنه لايمكن لأية دولة أو نظام سياسي السيطرة على هذا العالم الإ في حالة واحدة وهي غلق نافذة الانترنت بكامل تطبيقاتها أو تحديدها الى أضيق نطاق عبر ضوابط معينة وبالتاكيد ستكون قسرية تقوم بها السلطات. لكن هذه الضوابط أيا كانت لابد أن تصطدم شاءت أم أبت بمفهوم حرية التعبير لاسيما في بلد مثل العراق دستوره يتيح حرية التعبير بنصوص واضحة لاتقبل الجدل أو التاويل. ربما هناك من يعترض على ديمقراطيتنا كونها "نص ردن" مرة أو إنتقائية مرة, كما أن هناك من يعترض على أصل مفهوم حرية التعبي لاسيما أن المادة 38 من الدستور حددت إطارا عاما لهذه الحرية ولم تنظم بقانون حتى الآن. وحتى حين يراد تنظيمها بقانون   سرعان ماتبدأ الخلافات بشأن حدود وطبيعة مشروع هذا القانون لاسيما أن هناك من يريد حرية بلا تعبير ومن يريد تعبيرا بلا حرية. 
من هنا فإن المحتوى الهابط طالما لم ينشر في وسائل إعلام مرخصة "صحف, إذاعات, قنوات تلفازية, وكالات أنباء" فإنه يبقى ملك أصحابه. فالأجهزة الإعلامية المرخصة تخضع فيها المواد المعدة للنشر أو حتى من تتم إستضافتهم الى قواعد ومعايير لايمكن تجاوزها, وفي حال تحصل تجاوز وهو ماحصل بالفعل فإن ردود الفعل تتراوح بين رفع دعاوى قضائية أو "دكات عشائرية" او القول أن حق الرد مكفول. أما من يتولون نشر مابتنا نسميه محتوى هابطا عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي او من خلال ظهورهم في أماكن عامة لجلب المزيد من المتابعين فإن العمل على ملاحقتهم وإيداعهم السجون بسبب إضرارهم بالمجتمع والإساءة الى الذوق العام يمكن أن يكون حلا مؤقتا لكنه سيتحول الى مشكلة بحد ذاته في حال عدته الجهات المختصة هو الحل الأوحد. لابد من التفكير بشأن الكيفية التي يتم من خلالها تحديد مفهوم المحتوى الهابط والمسئ للذوق العام. فهذه المسألة كانت وستبقى موضع خلاف ديني, فكري, مجتمعي, ثقافي. كما أن إستمرار الملاحقة دون ضوابط يمكن أن تضع معايير لإتاحة المجال للتعبير عن الرأي يمكن أن يحول هذا المحتوى الى مرغوب طالما تجري عملية منعه بقوة وهو مايعني إنتشاره بطرق ووسائل مختلفة. لذلك أرى أن علينا كمجتمع ودولة أن لا نخشى جماعة المحتوى الهابط بوصفهم خطرا على الأمن القومي. لكن في مقابل ذلك ينبغي العمل على توجيهم بعقوبات إنضباطية لا إنتقامية, مقابل  تشجيع أصحاب المحتويات اللائقة بما يشعر أصحاب المحتوى الهابط بأنهم أصبحوا منبوذين مجتمعيا ومحاصرين رسميا. المهم أن لايتحولوا الى ضحايا مجانيين بسبب .. تفاهة مايصدر عنهم. 

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟