فن التغاضي والتعامي
2022/09/02
 
163

شاكر كتاب                     

في العراق تفجرت ثورة تشرين الشعبية لتتصدى للحرمان والبطالة والجوع وضياع تام للاستقلال وغياب مطبق للسيادة وانتشار الجريمة المنظمة والعشوائية ودخول الفساد كافة مفاصل الدولة والمجتمع وسرقات المال العام العلنية والخفية وضياع مئات المليارات من الدولارات وارتهان النفط العراقي بجولات التراخيص للشركات الامريكية وهيمنة الخرافة على الثقافة العراقية واغلاق المدارس وخراب الجامعات وتسيب الاطفال وانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بشكل غير مسبوق والتسول في منعطفات الشوارع والأرصفة واحتلال سوق العمل من قبل العمالة الرخيصة الأجنبية.

اقول تفجرت ثورة تشرين ضد هذه الظواهر التدميرية وبدلاً من ان تتفاعل معها السلطات بإيجابية وتعمل على تحقيق مطالب الشعب المشروعة كلها ، راحت تتبع شتى السبل غير النزيهة لغرض قمعها وإطفاء جذوتها. فاستخدمت معها فن التعامي والتعالي بدهاء غير معهود مما أكد وجود عقليات خاصة دموية تقف وراء قتل اكثر من 800 متظاهر شهيد وجرح وتعويق الالاف منهم. فجاءت مسرحية استقالة حكومة والمجيء بأخرى كانت ادهى من سابقتها في التعامل مع التظاهرات من خلال الاندساس وشق صفوف الثوار وتشجيع البعض منهم لتأسيس كتل ومجاميع "سياسية" متنافرة بل ومتعادية واغراء البعض منهم بالترشيح للانتخابات ودعمهم نحو الفوز.

فكان للسلطات ما أرادت من تغاضيها عما يجري وتعاميها وحتى تغابيها عن إيجاد حلول حاسمة للازمة الوطنية الكبرى التي دلف فيها العراق. والنتيجة ان أجريت انتخابات مبكرة جديدة جاءت بالكاظمي رئيساً للوزراء وكان أول قرار سيادي بطولي له ان منح كافة أعضاء حكومة عادل عبد المهدي راتباً تقاعدياً رغم عدم مرور سنتين على توليها السلطة. هذا هو كرم القيادات الحكيمة والسليمة!! وراحت سياسة التغاضي هذه تتواصل لتشمل التغافل عن تأسيس شتى انواع المجاميع والكتل  التي راح كل فصيل منها يأخذ شكلاً مصغراً لدويلة متكاملة تمتلك المال والاعلام والسلاح والهيكلية التي انتشرت في كل محافظات البلاد وحولتها الى ساحات ارتزاق وهيمنة تصل حد الخاوات المقطوعة والشهرية والابتزاز بشتى السبل والسيد القائد العام ينظر ولا يرى ويسمع ويتظاهر بعدم الفهم. انه يرى بوضوح دوائر الفساد والفوضى والتخريب والتدمير والهيمنة على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية وهو "لا من شاف ولا من دره".

ان العجز في السياسي يأتي بسبب انعدام الهمة. والهمّة تذبل وتنطفيء نتيجة موت الشعور بالوطنية وبالمسؤولية.

المشهد العراقي اليوم ليس له مثيل في اي من بقاع الأرض، لا مثيل للرشاوى التي تسيطر على سوق التعامل الاقتصادي والسياسي والأمني. الاغتيالات تتواصل. حروب العشائر تتعالى والفقر يتعمق والاقتصاد يتحول الى أكواخ طينية سقفها من ورق سعف يابس متهرئ.

وأمراء السلاح والمخدرات وملوك المافيات ورجال الدين يتقاسمون خيرات البلاد بكل وضوح معنى هذه الكلمة. هذا هو تماما فن التغاضي المريح لهم والمؤلم لنا.

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟