الاخراج التلفزيوني .. حرفية وابداع
2021/07/26
 
420

زيد الحلي

لاجدال ، ان برنامج ” اطراف الحديث ” الذي تقدمه قناة “الشرقية” منذ نحو 15 عاما ، حظي بأعجاب ومباركة من قبل المشاهدين ، سواء المتعلم والمثقف او المتابع البسيط ، لما يتمتع به من اسلوبية جميلة في التقديم والاخراج  ما جعله يعد احد اهم البرامج التلفازية في الفضائيات العراقية .. وهذه الجماهيرية التي كونها البرنامج ، جاءت نتيجة للتعاون المنهجي بين المقدم ، وبين المخرج الذي يسعى الى تقديم مهارات في اقتناص اللقطات اثناء الحديث ، والعرض البانورامي من خلال بهاء الصورة وجماليتها التي تسعد المشاهد .

اكيد ان د. مجيد السامرائي معد ومقدم البرنامج ، كان حاذقا في اختيار ضيوفه ، ومحاورتهم بلغة ساحرة ، محببة ،  لكن الاخراج والمونتاج الذي برع به الفنان الذكي “حيدر الانصاري ” اضاف بصمة جديرة بالإشادة بها ، حيث ابهرنا بمنهجية صورية ، فقدناها في العديد من البرامج الحوارية ، حيث الرتابة والملل ، لكن الانصاري يشدنا منذ لحظات ” التايتل” الاولي حتى النهاية برحابة صورية رائعة ..

من خلال معايشتي وصداقتي الطويلة مع عمه  المخرج المبدع ” مهند الانصاري ” وابيه المخرج الكبير ” علي الانصاري” طيب الله ثراهما ، لاحظت ان حيدر الانصاري ، تعلم منهما ” الصمت ” الابداعي ، والبعد عن الاعلام والاكتفاء بالعطاء الابداعي .. انه صمت الاقوياء ، فالصمت في أفضل حالاته هو تلك الحالة التي يندمج فيها العقل والتخيل معًا، لنستمتع بالإبداع ، فالذي لا يعرفه العديد من المتابعين ، ان حيدرا  قدم الكثير من العطاء في الفترات الماضية ، قبل ان يسجل نجاحه في ” اطراف الحديث”حيث  انجز اعمالا درامية كمخرج منفذ منها المسلسل الشهير (برج العقرب) بجزئية ومسلسل (الملاذ آمن) ومسلسل (قناديل) واعمالا تاريخية مثل سوق الجواهر: الاصمعي لسان العرب وحي الالغاز والطب عند العرب.. وهو من اوائل العاملين في قناة الشرقية ، واخرج برامج حية على الهواء مباشرة مثل (كرسته وعمل) (بطاقة تموينية) (شمة هوا) ومشروع الشرقية الكبير (صاية وصرماية)؛ و(مشروع الشباب) و(بيت بيوت).. وبرنامج (اليد البيضاء) وغيرها .

اعرفُ ان المبدع الحقيقي، بحاجة إلى لحظات صمت وهدوء، فالصخب يقتل في نفس المبدع روح الاكتشاف والرصد والالتقاط وغيرها من الأشياء التي يتوصل إليها عبر الإصغاء، ذلك ان المبدع يسمع ويرى ويشاهد ويعقد علاقات عبر عملية الإصغاء إلى الأشياء، وربما ذلك ما عناه الشاعر محمد مفتاح الفيتوري عندما قال في نص شهير: “غيري أعمى مهما (أصغى) ، لن يبصرني”، وذلك عينه ما أشارت إليه الكاتبة الأمريكية ” سوزان كين” التي تخصصت في قضية “قوة الصمت”.. ففي كتابها الشهير “الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يمكنه التوقف عن الحديث”  أشارت إلى ضرورة أن يعم نوع من الصمت في ظل الصخب الذي يعيشه العالم الذي وصفته بالمجنون، وتقول في إحدى منعطفات الكتاب: ” كن يا سيدي صامتاً، فالصامتون هم خير من في هذه الأرض، هم من يصنعون التغيير ويُضيفون كثيراً في عصر الثرثرة”.. وفعلا اضاف مبدعنا الكثير من لمسات الجمال في عمله … ومشاهدة واحدة لبرنامج ( اطراف الحديث ) سنرى انسيابية آخذه بالزهو في العرض التلفزيوني ..

 

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟