إعادة اندماج الفصائل المسلحة مع الجيش: الفرصة والمعوقات!
2022/03/17
 
542

وسام رشيد

 

اصطدمت مساعي الحكومة الحالية في محاولة ايجاد معايير متشابهة ومشتركة بين مختلف الفصائل المسلحة التي ترتبط بالمحاور الاقليمية والدولية المؤثرة في الواقع العراقي بعقبات شكلية وموضوعية، وغالباً ما تكون هذه المعايير المنشودة لا تتوافق مع الأبعاد السياسية لكل مرحلة تمر بها البلاد.

إن الفراغ الوطني الواضح في العملية السياسية اعطى مساحة واسعة لاجتهادات المتصدرين والناشطين السياسيين والعسكريين في تقرير شكل وقانونية الكيانات العسكرية المتكونة على إثر الاجتياح الكبير لقوى الأرهـ…اب للمنطقة العربية عموماً والعراق الذي طاله الجزء الأكبر والأعنف من تلك الأحداث الدامية وعمليات التجريف والقتل والاستحواذ.

اسباب الفراغ ناتجة من خللٍ واضح في عملية بناء الدولة بعد عام 2003، ولملمة شتات غير متناسق، من دول الجوار والعالم، وتسليمه قيادة البلاد، على اثر نظام كان يعمل منذ عام 1991 على تهديم القيّم السياسية والاجتماعية التي بنيت على مدى عشرات السنين.

تشكلت جزء غير قليل من ألوية وأفواج المتطوعين الشيعة من اجل تولّي مهمة معينة: دفع الخطر عن المقدسات الاسلامية الشيعية. لذلك اكتسبت هذه الافواج صفة القدسية بوصفها مدافعة عن مقدسات عريقة وذات اهمية قصوى في حياة المواطنين الشيعة في العراق. وعملت افواج مقاومة عصابات داااعش في سامراء وحدود بغداد الغربية والشمالية وغرب كربلاء وشمال الكوت وشرق العظيم ومحيط ديالى وقصباتها، ودفعت اخطاراً جمة عن تلك المناطق.

بعد عام 2016، تحققت انتصارات مهمة في مواقع تكريت وبعض مدن الانبار، وشعرت قيادات بالفخر والقوة، وبدأت تتحدث عن اخطار استراتيجية في المنطقة العربية والاقليمية، والمدّ الصهيو أمريكي، والبحث عن عوامل البقاء على المدى البعيد، بل وربط وجود الدولة ومستقبل العملية السياسية بضمان وجودها ككيان عقائدي موازٍ يستمد قوته وشرعيته من ادائه في معارك التحرير، والدعم الشعبي غير المتناهي.

كل ذلك خلق قاعدة شعبية مناصرة لتلك الفصائل التي تسلحت على مستوى عالٍ من التجهيز والتطوير والتدريب، كانت من اولى مهماتها اقناع الرأي العام بضرورة استمرار ذلك الدعم، وتجسد ذلك في انتخابات عام 2018 وطريقة الترويج للمرشحين المقربين من تلك الكيانات السياسية المنبثقة من الماكنة العسكرية والتعبوية للفصائل.

اصطدمت فكرة دوام استمرارها وزيادة حضورها السياسي بثلاث عقبات:

أولها العقبة القانونية؛ اذ لا يسمح الدستور العراقي باستمرار اي تشكيل عسكري خارج الدولة، والقيادة العامة للقوات المسلحة، ورغم اعلان تلك الفصائل مراراً تبعيتها لقرارات القائد العام، وعملها ضمن الاطار الرسمي للدولة، الا ان الواقع افرز احداث مختلفة، ويعد ذلك مخالفة لشرعية كيانها القانوني.

العقبة الثانية تتعلق برغبة شعبية بضرورة حصر السلاح بيد الدولة، واخذت تتبلور تدريجياً على منصات التواصل الاجتماعي، واخذت تتزايد خصوصاً بعد حراك تشرين عام 2019.

العقبة الثالثة تعلق بالعامل الدولي؛ إذ اكتسب أهمية واسعة في فضاءات السياسة الخارجية، والمزاج العام الدولي الذي ينظر لمؤسسات الدولة في العراق، واشتراطات دعم الدولة وأجهزتها الشرعية الدستورية، وابعاد أي تأثير عسكري خارجي على قرار الدولة الأمني، مما يحدد مستوى التأمين، ويخلق أجواء من الارتياح لشكل ووجود الحكومات العراقية.

ومهما حاول المدافعون عن فكرة بقاء تلك التشكيلات العسكرية وربطها بالبيشمركة في شمال العراق، فان هذه المحاولات لا تلقى آذان صاغية كونها لا تؤثر في مجريات الاحداث بشكل مباشر في العاصمة بغداد، كما انها لا تتمتع بالمركزية الشديدة التي تقود هذه القوات في اقليم كردستان، فضلاً عن دستورية هيكلتها تحت عنوان حرس الاقليم.

ويحاول آخرون التغطية على هذه التشكيلات المسلحة من خلال ربطها بالحشد الشعبي الذي انتظم بقانون اقره مجلس النواب، في العام 2016، الا ان تلك التعليلات لم تلقى قبولاً في الاوساط الشعبية والسياسية، اذ يعتقد المتابعون ان ذلك سيسيئ لوجود الحشد ويقوّض من تأثيره في الحياة العامة، فهذه الفصائل غالباً ما تستأثر بقرارها دون مؤسسات الدولة الرسمية، وبتأثير خارجي مباشر، لا يتوانى عن التصريح به بعض القادة الميدانيين والسياسيين المرتبطين بها.

 

الفرصة الضائعة:

الوضع العام في العراق وخاصة بعد انتخابات 2022 وتأثيرات تشرين، قد لا يتحمل ان تندمج هذه الكيانات العسكرية بالمؤسسة الرسمية العراقية، فهي لم تنجح في استمالة العامة والحراك والشعبي لصالحها، بل اعطت انطباعاً سلبياً لدى المواطنين هنا، اذ لم يكن هناك إيثار حقيقي في التعامل مع المستجدات، ورغبات العامة في التغيير.

 

هذه الحركات لم تشارك في محاربة الفساد كما حاربت الأرهـ…اب، بل انها ساهمت في توسيع دائرته عبر مشاريع ولجان اقتصادية ارتبطت بها مباشرة، ولعل ظهور الكثير من قياداتها في مظاهر الترف والانتقال من الفقر الى امتلاك العقارات والتضخم الحاصل في الثروات الشخصية لكثير من افرادها، جعلهم يفقدون الجانب الأكبر الذي كان داعماً قوياً لهم.

 

القدسية:

حاول قادة تلك المليشيات تغطية كياناتهم وتجمعاتهم بقصة القدسية التي تعزل كل من ينالها عن نقد الناقمين، والمعترضين، لقد حصنوا انفسهم بجملة من الدراما الدينية والاجتماعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات الممولة من الخارج، وجمع غفير من اصحاب المواكب الحسينية ورجال الدين.

 

رؤية المرجعية :

الملاحظ في خطابات المرجعية انها لا لم تمتدح يوماً أي كيان عسكري تشكل بعد عام 2014، بل انها تجنبت ذكر اياً من تلك التشكيلات في خطبها المعتادة في الصحن الحسيني على مدى أربع سنوات، وكانت تشير بشكل مباشر الى تضحيات وبسالة المتطوعين، والمجاهدين، والأبطال المتطوعون، والملبين لفتوى الجهاد الكفائي، وهذا يؤشر بالقطع ان هناك مخاوف مسبقة من استغلال جهود هؤلاء المضحين لاجل تحرير البلاد، وقد تنبأت لذلك منذ بداية عمليات التحرير للمناطق المحتلة من تنظيمات داعـ..ش الأرهـ..ابية.

وتبعاً لكل ما تقدم، سيبقى معيار التضحية مرتبطاً بالإيثار وعدم الإستفادة، في وجدان العراقيين، والمطلعين على نمط تفكير المواطنين هنا، فإن ذلك يعد شرطاً اساسياً لتثمين اي منجز، أو ظَفر، فالتزامات الوطنية، وتضحياتها، لا تقدر بثمن، ومن المعيب ان تتخذ أي جماعة هذه الرمزية لتحقيق المكاسب، سواء كانت سياسية، أو منافع مالية.

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟