مستقبل القارة العجوز اللغوي بعد بريكست.. هل يجري إحياء اللاتينية؟
2021/03/11
 
200

متابعة / المورد نيوز

 

عندما كان الاتحاد الأوروبي يسمى "الجماعة الأوروبية" (تكونت أولا المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، كنواة للمجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تطورت لاحقا إلى الاتحاد الأوروبي) تم تحديد لغاتها الرسمية، ومع انضمام المزيد من الدول -والتي كان الكثير منها يتحدث الإنجليزية كلغة ثانية أو إضافية- زاد عدد المتحدثين باللغة الإنجليزية، حتى أصبحت اللغة الأكثر شيوعا.

لكن المملكة المتحدة هي الدولة العضو الوحيدة التي تعتبر اللغة الإنجليزية لغتها الرسمية، وعندما تنسحب من الاتحاد الأوروبي كان يفترض أن يكون هناك تصويت بالإجماع في البرلمان الأوروبي من أجل إزالة الإنجليزية كلغة رسمية للاتحاد، بحسب بيان للمفوضية الأوروبية في أيرلندا بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2016.

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد يعود التفكير والنقاش في إمكانية إحياء لغة قديمة وجعلها ركيزة أساسية لكيان سياسي. فهل تستطيع أوروبا إحياء اللاتينية واعتمادها لغة رسمية مشتركة بعد بريكست؟

إحياء اللاتينية

في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، يقول الكاتب سوندار رامانادان إنه منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، تناول كثير من الخبراء مستقبل القارة العجوز اللغوي، وتعالت الأصوات التي تطالب بالتخلي عن الإرث البريطاني والبحث عن لغة جديدة توحّد القارّة.

في هذا الصدد، اقترح البعض اعتماد نسخة مبسطة من اللغة الإنجليزية تستخدم فقط الكلمات والعبارات الأكثر شيوعًا، وتخدم المصالح التجارية والتبادل الحر، وطالب آخرون باعتماد الألمانية أو الفرنسية لغة موحدة لدول الاتحاد الأوروبي.

وحسب الكاتب، فإن الهوية اللغوية مسألة تحظى بأهميّة بالغة خاصة عندما يتعلق الأمر بكيان سياسي كبير مثل الاتحاد الأوروبي، وقد اعتمدت عدة كيانات ودول على العودة إلى ماضيها اللغوي لبناء حاضرها السياسي.

وفي شبه القارة الهندية طورت الهند وباكستان نسختين من اللغة الهندستانية، الأولى ثريّة بمفردات السنسكريتية القديمة، والأخرى اعتمدت بشكل كبير على اللغات الفارسية.

وتُعتبر الهندوستانية لغة مشتركة في شبه القارة الهندية، وتطورت في شمال الهند أثناء الإمبراطورية المغولية متأثرة بالفارسية والاتصال بين الثقافتين الهندوسية والإسلامية، وتعود مصادرها المبكرة للغة الهندية-الأردية في العصور الوسطى.

اللاتينية أصل اللغات الأوروبية

ويرى الكاتب أن على أوروبا -إذا كانت تخطط لأن تكون أكثر من مجرد سوق موحّدة- التركيز على فكرة اعتماد لغة مشتركة تحمل العناصر الرئيسية للهوية الأوروبية. ومن هذا المنظور، يمكن أن تكون اللاتينية خيارا مناسبا بديلا للإنجليزية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

ويضيف الكاتب أن من يرى عكس ذلك، يمكن أن يبحث في ماضي القارة ليرى أهمية اللاتينية كعنصر موحِّد، حيث اعتمدت عليها الإمبراطورية الرومانية، وأوروبا المسيحية، ومفكرو عصر الأنوار، و"هي لغة الشاعر الروماني القديم فيرجيل صاحب الإلياذة (توفي 19 قبل الميلاد) والشاعر اللاتيني الروماني كتولوس (توفي سنة 54 قبل الميلاد)، ولغة القديس أوغسطين (توفي 430) ولوثر (توفي 1546)، ولغة الفلاسفة مثل ديكارت (توفي 1650) وإيراسموس (توفي 1536) ولغة سبينوزا (توفي 1677)، وهي أيضًا لغة الأديرة التي سمحت بالحفاظ على الثقافة الأوروبية.

ويتابع الكاتب بأن اللغة اللاتينية تحمل في طياتها ألفي عام من الثقافات المتنوعة، وقد كانت طيلة هذه الفترة همزة وصل ووعاء للأفكار المختلفة، ووحّدت أوروبا ضمن هوية مشتركة. كما كانت المنبع الذي تشكلت منه اللغات الأوروبية الحديثة، سواء في بنائها النحوي أو في معاجمها.

لغة سياسية

ويعتقد الكاتب أن اللاتينية لغة سياسية بامتياز، إذ كانت مرجعا لأجيال من البرلمانيين في الدول الأوروبية -خاصة الثقافة الأنجلوسكسونية- التي تملك تقاليد سياسية عريقة، وجعلت أجيالا من السياسيين يمتلكون فن الخطابة والتأثير.

وحسب رأيه، يمكن أن تصبح اللاتينية مجددا اللغة الرسمية لأوروبا، وتشكل رمزا للقوة والصرامة والإرادة المشتركة والرغبة في ضمّ عدد جديد من الدول إلى الاتحاد الأوروبي.

 

ويتضح -وفقا للكاتب- أن أوروبا تستطيع أن تحيي اللغة اللاتينية وتعتمدها لغة رسمية للقارة، بشرط أن تكون هناك إرادة جدية وطموح لتطوير هوية موحدة تتجاوز الخصوصيات الوطنية.

وكانت اللاتينية كذلك لغة رسمية لبلدان أوروبية مثل مملكة المجر من القرن الـ11 إلى منتصف القرن الـ19، وكرواتيا من القرن الـ13 إلى القرن الـ19، ومملكة بولندا بين القرنين الـ10 والـ18.

وظلت اللغة اللاتينية لغة العلم والدراسة في أوروبا الوسطى والغربية حتى القرن الـ17، حيث حلت محلها لغات محلية تدريجيا، وكانت لغة العلاقات الدولية والدبلوماسية كذلك، قبل أن تتوسع اللغة الفرنسية أولا ثم الإنجليزية لاحقا كلغات عالمية.

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟