
زهراء موسى جابر
باحثة في الشأن السياسي
في الفكر السياسي الحديث شكلت الانتخابات ركيزة اساسيةللديمقراطية، وآليةً مهمة لإضفاء الشرعية على الأنظمة؛ إلا أن التجربة العملية كشفت عن مفارقة جوهرية؛ هي: "إذا كان التصويت قادراً فعلاً على إحداث تغيير جوهري في بنية السلطة، فهل كانت القوى المهيمنة لتسمح به بالصورة المتاحة اليوم"؟فهذا السؤال لا ينطلق من نزعة تشكيكية بقدر ما يستند إلى معطيات تاريخية، وسياسية تشير إلى أن العملية الانتخابية، في كثير من السياقات، تخضع لضوابط تجعلها أقرب إلى إدارة الشرعية منها إلى ممارسة فعلية للسلطة الشعبية.
فالأمثلة الدولية تقدم شواهد صريحة على هذه الإشكالية؛ ففي تشيلي مثلاً، أفضت صناديق الاقتراع في مطلع السبعينيات إلى فوز سلفادور أليندي، لكن هذا المسار أجهض سريعاً بانقلاب عسكري أنهى التجربة وأعاد إنتاج السلطة بما ينسجم معمصالح القوى الداخلية والخارجية؛ كما انه في الولايات المتحدة، فإنه على الرغم من رسوخ النموذج الديمقراطي، فإن نظام "المجمع الانتخابي" سمح بوصول مرشحين إلى البيت الأبيض خسروا التصويت الشعبي، كما حدث في عامي 2000 و2016، في حين تمارس جماعات الضغط والمال السياسي دوراً محورياً في توجيه النتائج وصياغة البدائل المتاحة للناخب؛ أما في العالم العربي، فتأخذ الظاهرة شكلاً أكثر وضوحاً، فتدار الانتخابات غالباً بوصفها استفتاءات على بقاء النظام، فتتحول المشاركة الشعبية إلى مجرد إجراء شكلي يعيد إنتاج البنية القائمة.
إن ما يجمع هذه النماذج، على تباينها، هو أن التصويت غالباً ما يُحصر ضمن سقف محدد لا يسمح بإعادة صياغة جوهر السلطة، فالصندوق هنا يستعمل كأداة لإنتاج الشرعية وإدارة الاستقرار، لا كوسيلة لفتح المجال أمام تحولات سياسية عميقة؛وبهذا، تصبح الديمقراطية؛ في بعض تطبيقاتها؛ ممارسة مقننة للوهم، تمنح المواطن شعوراً بالمشاركة دون أن تمكنه فعلياً من تغيير قواعد اللعبة.
وعليه، فإن السؤال المركزي الذي يفرض نفسه هو: هل تمثل الانتخابات أداة حقيقية لتجسيد الإرادة الشعبية، أم أنها مجرد آلية لإعادة إنتاج السلطة تحت غطاء قانوني ودستوري؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي فهماً أعمق لبنية الديمقراطية ذاتها، بوصفها منظومة لا تُختزل في التصويت، وانما تبنى عبر مؤسسات وآليات توازن القوى، وتضمن المساءلة الفعلية؛ فمن دون ذلك، يبقى التصويت ممارسة شكلية تقنن الوهم أكثر مما تفتح آفاق التغيير.