المشيخة وفقه السلطة
2024/06/11
 
100


بقلم القاضي المتقاعد حسن حسين جواد الحميري
٥/٦/٢٠٢٤

 ابتداء لابد من القول ان المشيخة مؤسسه سياسية اجتماعية قديمةمن نتاج العصور الخالية وهي من الوسائل السياسية والإدارية الموغله في القدم لإدارة شؤون الناس سابقا، ونحاول في هذا المقال ان نرى مدى توائمها مع الأفكار التي تسود المجتمعات الحديثة والتي تعني بكيفية قيادة هذه المجتمعات. 
  من يتابع المواضيع التي تنشر وتعرض على الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي  تجد ظاهرة الاعتراض على مشيخة الشيوخ الجدد مشحونه بالاستنكار والمعارضة فلابد براي المعارضين ان يتمتع من تسند اليه المشيخة بقدم عائلي راسخ فيها. 
هناك عدة نظريات في علم القانون الدستوري   حاولت تفسير ممارسة السلطة في المجتمعات السياسيه  منها ومن هذه النظريات:
  نظرية التفويض الالهي  التي تقول ان الحاكم ماهو الا الا الاه ذاته  ونرى أثر ذلك في مصر الفرعونية  وهذه الفلسفة في الحكم لاتوجد ولاتطبق في المجتمع العراقي بصفة خاصة والعربي بصفة عامة،  لكن يلاحظ في العراق القديم هناك نظرية التفويض الالهي المباشر ا لتي تقول ان الاله  قد اختار الحاكم ويستمد سلطته من الاله وحده، وهذه النظرية تجد تطبيقا لها في موضوع المشيخه مؤطرة بعنوان (البخت) وهو في اللغة (يعني الحظ والرزق والكسب) فالله يضع البخت في احد افراد عائلة الشيخ المتوفي ليباشر المشيخة في عشيرته من بعده،  فالله يهيأ ويقيض للعشيرة شخصا كفوأ لإدارتها والقيام بمهامها بعد وفاة الشيخ السابق. اما النظرية الثالثة فهي نظرية التفويض الالهي غير المباشر حيث يقول أصحابها ان الاله يرشد الشعب لاختيار الحاكم كما في الأنظمة الدينية الاوتوقراطية والنظريات أعلاه تسمى النظريات الغير عقديه. أما النظريات العقدية فهي نظرية العقد الاجتماعي  التي تبناها عدد من الفلاسفه فهي حسب راى الفيلسوف هوبز ان الأفراد قد اتفقوا على اختيار حاكم وتنازلوا عن كافة حقوقهم الطبيعيه له بما في ذلك حق الانتخاب وبالتالي فلاحق لهم بالرجوع عن هذا العقد، وهذا النوع له تطبيقاته عند العرب في العصر الجاهلي المشيخة تكون بالانتخاب. 
اما  الفيلسوف جون لوك فقال ان العقد بين الشعب والحاكم لكن  الشعب لم يتنازل عن كل حقوقه له وعليه فسلطة الحاكم مقيدة. 
اما الفيلسوف جان جاك روسو فقال ان العقد كان على مرحلتين
 المرحلة  الأولى بين أفراد المجتمع لإنشاء مجتمع سياسي و المرحلة الثانية بين الشعب والحكومة التي تتولى الحكم اذ تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم الضرورية للسلطه الجديدة وليس جميعها  وعليه فعلى الحكومه عدم مخالفة التزاماتها في العقد وعدم الاعتداء على حقوق الأفراد.
 من خلال تفحص هذه النظريات نرى ان  المجتمعات السياسية الحالية تاخذ بهذه النظريات  حسبما يوفقها، الان ان النظريات العقدية هي التي تنظم أمور الدول الحديثة،
، اما المشيخة بمفهومها الحالي فتعتمد على نظرية التفويض الالهي المباشر التي تعني ان الاله هو الذي اختار الشيخ ويستمد نفوذه منه فقط ولايمكن تغيره، وهي فلسفة كما لاحظنا قديمة جدا في تفسير ممارسة السلطة فهي أمر مفروض ولا خيار للعشيرة في الاختيار. 

  والاعتراض على الشيوخ الجدد  في وسائل التواصل الاحتماعي ينبع من هذا الواقع، كونه غير مصطفى من الاله  وغير مفوض، ويلاحظ هذا الاعتراض من خلال  اسلوبين :
الأسلوب الاول اهازيج  المهاويل التي تبث من خلال فديوهات  تسب وتشتم  بهذا النوع من الشيوخ دون أن يذكر اسم احدهم وإنما فقط التعريض بهم من خلال صفات  التي يذكرها في اهزوحته. 
والحالة الثانية التي يبدو من خلالها التعريض بهؤلاء من خلال سرد قصص وأحاديث قديمة لإقناع القارئ والسامع ان الشيخ الجديد مهما اوتي من قدرات فهو لايستطيع ان يعطي موضوع المشيخة حقها  لعدم علمه ببواطن أمورها والتي يتعلمها الشيخ الأصيل من خلال رضاعته لهذه الأولويات والبديهيات والمعلومات واطلاعه على الفرائض والسنن المشيخية من خلال تالفه وتعايشه معها في بيت المشيخه الذي نشأ فيه ابا عن جد ، مما يجعل  الشيخ الجديد جاهل  بهذا العالم وأسرار ودهاليزه العميقة .
وعليه  تكون المشيخه سرا غامضا يلقى به الله لمن يصطفيه  ويبقى هذا السر في عائلته وليس من حق غيرهم من أبناء عشيرتهم  ان يصبح شيخا لعدم حصول التايد الالهي لابيه وجده فهو محكوم عليه بالفشل ان اراد هذا المرام، وإنما يحق  لباقي أفراد العشيرة ان يكونوا تابعين ومرؤوسين فقط  حتى تقوم الساعة ولو ملكوا بزمام علوم الإدارة نظريا وتطبيقيا . بل الواجب على العشيرة اذا فقدت رئاستها ان تبحث عن ذلك الطفل الاسطوري ابن الشيخ الذي ضاع في يوم ما وضل وفارق  عشيرته، فان وجدوه  فعليهم تاميره عليهم لان الشجاعة والقيادة والكرم وجميع الصفات الكريمة الأخرى لايجدونها الا فيه ( كما في قصة ارزميزان التميمي) ، وعليه لايمكن للعشيره انت تنتخب من بينها شيخا كل اربع سنوات او سبع سنوات(الديمقراطية الغربية) ليحل اخر محله بالانتخاب كماهو معمول به في المنظمات والمؤسسات والحكومات، فمشيخة العشيرة اقدس واسمى واعمق، بإمكانك ان تكون فيلسوفا  او اورئيس وزراء او وزيرا او رئيس جمهورية فيها قوميات واقليات وطوائف كثيرة ومتنوعة ولكن ليس من الصعوبة على كائن من كان ان يكون شيخ عشيرة، لتعلق الامر ب (البخت العشائري) 
والحقيقة ان حلول الابن محل والده الشيخ المتوفي يساعد في  استقرار الوضع الاجتماعي في العشيرة ولكن المشكلة تبرز عندما يبزر  هناك من لديه طموح بقيادتها ولديه القدرة و الإمكانية او عندما  يحل محل الشيخ المتوفي ابنا ضعيف الشخصية. 
لابد من القول ان العشيرة كائن سياسي صغير اذا ماقورن بالدوله، وتتعد فيها اقطاب القوى ومراكزها  ولربما توفرت فيها أكثر من قيادة مؤثرة ومؤهلة تحضى بالدعم والتأيد فتنشطر إلى قسمين او اكثر، وقد تتوفر الظروف على دعمها من خلال متغيرات كثيرة ومن اهمها توفر المال والجاه لدى الشيخ فتلتف حوله..
شاهدنا في التاريخ المعاصر شيوخا اباؤهم شيوخ اصلاء الا انهم انهزموا في ساحة البقاء للإصلح ولفظهم الانتخاب الطبيعي خارجا ووضعتهم عشائرهم في مقاعد خلفية  وقدمت اخرين أكثر منهم كفاءة وحتى المهوال ربما هجاهم وذمهم .وفي الجانب الاخر شاهدنا اناسا محرومين استطاعت لف عشائرهم حولهم فكانو واصبح الان يشكلون قطب الرحى فيها(يلاحظ كتاب العشائر والسياسة التي كتبته المخابرات البريطانية) 
وعليه نخلص إلى القول ان سبب استمرار عوائل المشيخة في أشغال مركز مشيخة عشائر ها وبحسب النظريات العلمية هو لكون رجالاتها هم الاكفأ من بين رجال عشائرهم لتمتعهم بقدرات قيادية افضل من غيرهم المحيطين بهم فاذا اهتزت هذه القدرات واضعفت انتقلت لاخر اكفأ واقدر.
اما سبب تنمر البعض على الشيوخ الجدد فنحيل ذلك إلى علم النفس الذي يفسر هذه الظاهرة في خشبية المتنمر  من حصول الشيوخ الجدد على امتيازات  افضل او منافستنا في امتيازاتنا او نزع هذه الامتيازات.....
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟