2023/11/05
729
بقلم: أ.د رحيم حلو علي
الجدليون هم أكثر الأشخاص قلقاً وتوتراً فهم يظنون أن سعادتهم تكمن في استفحال الجدل وتشعبه، حيث ينطلقون من مبدأ الحفاظ على تعميق الحوار وقصقصة الألفاظ وتكسير المفاهيم وتفتيت القيم والتخلي عن الموروث المغلق والثابت وتكفير العادات والتقاليد واعتبارها قابله للتحريف والتأويل،ومنطلقين من اعتقادهم أنهم قادرين على بناء هرم موروثي خاص بهم يشبه وجوههم ولباسهم وحركاتهم..وهذا السلوك الجدلي الحاد الذي ينتهجه الشخص يرى في مضمونه سعادة ونشوة خاصة تريحه وتترك أثراً طيباً(حسب إدعائه)،لذا نجده يغوص في غبار المفاهيم المعقدة ويحاول تفسيرها على اعتبار أن هذا الطريق هو معبر السعادة له،والحقيقة أن هذا الإعتقاد في مجمله خاطئ لأن الخوض في تجزئة المفاهيم والبيانات إنما يفقد الشخص قدرته على إنجاز تفاصيله الخاصة والنهوض بمسؤولياته وتجعله يتجنب بناء وتحديد إطار شخصيته الخاصة فيظهر وكأنه شخصية عامة مبهم التقاسيم ومجهول الهوية..لذا فان هذه التقلبات المزاجية تأتي من خلال التلامسات الشعورية مع الذات لما تحتوي الذاكرة من خيال اجتماعي وموروث ثقافي وضغوطات مخزونه، حيث يتعثر المزاج وتضعف قدرته في التعامل مع هذه التقلبات، وقد تأتي من جانب آخر مثل التأثيرات البينية الواقعة بين الشخص والأخرين ،والتي قد يعجز الدماغ في مجاراتها فتضغط على المشاعر ويتشكل دفوعات عاطفية سلبية تضرب المزاج وتقلل من كفاءته الشعورية ،لكن الشخص الذي يمتلك قوة حقيقية للبناء الايجابي والانضباط العصبي فإنهم بلا شك سيكونوا قادرين على تخطي عثراتهم وتصحيح مسارهم وتسوية اختلالاتهم الذاتية بيسر وسهولة..
فالتقلبات المزاجية التي يتعرض لها الاشخاص الجدليون تكون على شكل عاصفة تجتاح الذات وتحاول أن تحطم جدار الصد الدفاعي الذي يقيمه،لذا فهو يعيش في ظلال فكرة إشكالية غامضة مفادها أنه لا يمكنه منح الثقة للأشياء والاشخاص الاخرين، ويعيش في حالة شك دائم بالاخرين ونراه يغوص في تفاصيل دقيقة وإقحام نفسه في الجدل المقيت والنقاش اللاواعي فهو يمارس حالة من الاستمتاع اللحظي والمقامرة بالكلمات والألفاظ وبعض المشاعر والمواقف الانفعالية..
فالجدل هو أسلوب مقيت يسعى إلى تسويف الحوار وتخريبه ومحاولة الخروج منه بدون فوائد وإضاعة للوقت وإهدار للجهد والتركيز..وعليه فإنه يتطلب من الشخص الجدلي لغرض الوصول الى الاتزان والانسجام الطبيعي في الحياة عليه أن يحيط نفسه بسياج من الدفء والتقبل والاعتراف والمشاعر المحصنه وذلك من خلال إقامة علاقات سوية ايجابية مع ذاته اولاً ثم مع محيطه وبيئته تحسباً لأي تقلبات مزاجية غير محسوبة قد تواجهه من خلال الجدل المقيت والتي قد تنسحب على كثير من المواقف الذاتية والعلاقات الاجتماعية مع الاخرين.