العقل والقلب والشجاعة.. 3 سمات تصنع منك قائدًا ناجحًا
2023/05/15
 
492

د. فاطمة بنت محمد البلوشية

صدر كتاب “العقل والقلب والشجاعة.. ثلاث سمات تصنع منك قائدًا ناجحًا”، باللغة الإنجليزية عام ٢٠٠٦، وتمت الترجمة عن مؤسسة هنداوي عام ٢٠١٨.

يحتوي الكتاب على 231 صفحة وقام بتأليفه ثلاثة أشخاص وهم ديفيد إل دوتليتش الذي عمل كرئيسُ مَركزِ ميرسر دلتا لتعليم المسئولين التنفيذيين، ونائبُ الرئيس التنفيذي السابق في شركة هانيويل إنترناشونال، وبيتر سي كاير والذي يعمل كرئيسُ إدارةِ إعداد برامج تطوير المسئولين التنفيذيين واستراتيجية القيادة في مركز ميرسر دلتا لتعليم المسئولين التنفيذيين، ورئيسٌ سابق لقسم علم النفس الاستشاري والتنظيمي بجامعة كولومبيا، وستيفن إتش راينسميث: شريكٌ في مركز ميرسر دلتا لتعليم المسئولين التنفيذيين، وسفيرٌ خاص سابق لدى الاتحاد السوفييتي، وشغَلَ منصبَ رئيس شركة هولاند أمريكا لاين.

يبين هذا الكتاب ثلاث قدرات هامة جدا في القيادة في عصرنا الحالي والتي يجب أن يتحلى بها القادة، وهي تحديد الوجهة الاستراتيجية للمؤسسة والتعاطف مع الآخرين والمخاطرة.

كان يتسم أسلوب الإدارة السابق بالقوة حيث إنها كانت السبيل الدارج الوحيد للنجاح ولكن مع تغير العالم المتسارع، كان لا بد من إضافة الشجاعة لقبول هذا الكم الهائل من التغيير والتعقيد، ولذا برزت أهمية وضع الخطط والاستراتيجيات وتكوين العلاقات الداعمة والمبنية على الثقة مع الآخرين والإقدام على اتخاذ الخطوات التي تتسم بطابع المخاطرات والتي تكون محسوبة لتحقيق ما تصبو إليه المؤسسة.

وينصح الكتاب القادة إن أرادوا أن يكونوا “كاملين” بوجوب التحلي بالعقل والقلب والشجاعة معا، حيث توضع الاستراتيجيات بالعقل وتنفذ من خلال العلاقات وتغامر للحصول على ما تريد لتحقيق أهداف المؤسسة.

نوعية القائد الذي يتصف بتلك الصفات ليست خالية من الجوانب المظلمة أو أوجه القصور: فمن الوارد أن يبالغ في إظهار سمة الشجاعة في وقت يتطلب الاعتماد على الذكاء أو قد يميل إلى التفكير العاطفي أكثر من الميل للعقل والشجاعة مثلا، ويحتاج القائد أن يملك وعيا حقيقيا عن كافة وجوه شخصيته القيادية وقد يحتاج إلى بذل مجهود وطاقة أكبر لفهم واستخدام الجانبين الآخرين من شخصيته، واللذين لا يظهران بسهولة مثل التعاطف مع الآخرين.

ولذلك فالحل هو استخدام كافة الثلاث سمات للإمكانيات القيادية حيث إنه يلجأ القادة تلقائيا إلى أسلوبهم الذي أثبت جدارة في حل المشكلات أو إنجاز المهام أو تكوين العلاقات، وهم بذلك يعتمدون بشكل مبالغ فيه على خبراتهم التراكمية والتي تكونت بالماضي ويفترضون أنه بإمكانهم التعامل مع التحديات الجديدة بذات الطريقة التي طالما اتبعوها مما يؤدي إلى جعلهم قادة جزئيين والذي يخلق مشكلات كبيرة في حياتهم المهنية.

بيئة العمل الحالية مليئة بالمتغيرات والتعقيدات، ولذا فإن أسلوب الإدارة الجزئي يوضح نقاط ضعف القائد، فعندما يكون القادة ضعفاء في مجال أو مجالين من المجالات الثلاثة للإدارة الكاملة قد يتعرضون لمواقف تظهر الضعف، حيث إنهم يفتقرون إلى مجموعة الخيارات اللازمة للتعامل مع تحدياتهم بكفاءة.

وتؤيد دراسات القيادة ذلك، حيث إن القادة الأكفأ لديهم معدل ذكاء مرتفع ومعرفة واسعة بمجالات عملهم ويديرون بنزاهة وثقة ويظهرون الإصرار والعزيمة، ووجدت بعض الحالات التي تستطيع المؤسسات فيها الازدهار تحت قيادة أحد القادة الجزئيين وخاصة المسيطرين، ولكن عندما يتركون المؤسسات فإنها تنهار، وذلك لأن الإدارة العليا التي لم تتطور على نحو كاف لإدارة المؤسسة بسبب شخصيتهم المسيطرة حيث أن أسلوب القيادة المستخدم معتمد بصورة مفرطة على المهارات التحليلية والإحكام الشخصية والشخصية المهيمنة.

ولذلك، ينصح الكتاب بأن يكون جزءًا من عملية تطوير القيادة يُخصَّص لبيان كيف ومتى تظهر الشجاعة؛ فمثلا قد تساعد عملية تطوير القادة الأشخاص على فهم أنه عند التعبير عن آرائهم، ينبغي أيضًا حرصهم على سماع وجهة نظر الآخرين، وأن يحاولوا إقناعهم بطريقةٍ أخرى للتفكير دون اللجوء إلى أسلوب الهجوم أو الشخصنة.

وتقوم المؤسسات غالبا بالتعاقد مع مستشارين لتولِّي إعادة التفكير نيابةً عنها، حيث إنه في واقع الأمر توجه المؤسسات مُنصبٌّ في المقام الأول على الأنشطة، وإدارة مواردُها الشحيحة، وقيادة الموظفين نحو إنهاء المهام الموكلة لهم؛ فهي تفتقر إلى الوقت أو حرية التفكير اللازمة لإجراء تغييرات تختلف ١٨٠ درجةً عن ممارساتها المتبعة، وفي ذات الوقت، تدرك المؤسسات أنها من الممكن أن تستفيد من التفكير الجديد، وفي هذه الحالة يستعينون بالمستشارين الذين يحفزونهم ويحثونهم على سلوك اتجاهاتٍ جديدة في القيادة والإدارة، ويأمل الكتاب أن يسمح القادة للمستشارين بتحفيزهم على إعادة التفكير وتقديم عناصرَ جديدةٍ إلى الثقافة تُجبِر المؤسسات على رؤية الأمور بطريقةٍ جديدة.

بعض الصفات مثل الأمانة والنزاهة، والحافز والطموح، والانفتاح على الأفكار الجديدة، والطاقة والشغف والذكاء العاطفي؛ كلها تؤثِّر على نجاح القادة بالقدر نفسه الذي يؤثِّر به الذكاء المعرفي، ومن الأهمية بمكان إدراك أن السمات الشخصية للقادة لم تَعُدْ موضوعًا يحظر التحدُّث عنه، وأن طبيعته كشخصٍ تؤثِّر على أدائه كمديرٍ وكقائد.

بعض الأفراد يرفضون بعنادٍ الاعترافَ بأن شخصيتهم القيادية تخلق المناخ الذي يقودون فيه الآخَرين، ويكونون في حالة إنكارٍ لهذا التأثير، أو ربما يعتقدون أن هذا النوع من التحليل الذاتي ليس له مكان في عالم الأعمال، ولكي يكونوا قادةً أكْفاءً، لا بد أن يدركوا باستمرارٍ أن نقاط ضعفهم وميول الجانب المظلم من شخصيتهم تقلل من كفاءتهم، ويجب أن يتعلموا كيفية إدارتها عن طريق برامج إعداد القادة أو التعلم الشخصي في حال عدم توفرها في البرامج المخصصة للقادة.

للأسف الشديد بعض القادة لا يهتمون مطلقًا بأي نوعٍ من أنواع النزاهة، حيث أنهم يتميزون بالطموح ولكنهم انتهازيون حتى النخاع وعلى نحوٍ سافر، والبعض الآخر لا يخطر على بالهم التفكير في النزاهة، ويعتقدون أنهم يعرفون الصواب من الخطأ، وأنهم لا يخشَوْن قول الحقيقة.

ولا يخفى على أحد بأنه من المستحيل اكتساب النزاهة بهاتين الطريقتين، ولحسن الحظ أن هؤلاء القادة نادرون حسب الكتاب، ومعظم القادة الذين يَبدون مفتقرين إلى النزاهة، حسب الكتاب، هم في أغلب الأحيان مفتقرون فحسب إلى الوعي بأنهم يتصرفون دونها، وبمجرد أن يدركوا الطرق والأوقات التي تكون فيها تصرفاتهم غير متسقةٍ مع معتقداتهم فمن المحتمل أن يتصرَّفوا بنزاهةٍ صارمة.

وتعرف النزاهة من زاوية القيادة في الكتاب على أنها مجموعة معتقداتٍ تتطوَّر تدريجيًّا وتقود تصرفات الأشخاص في الأوقات الصعبة التي تنطوي على تحديات وتدعم المعتقدات إحساسًا باتباع الصواب، وتُقدِّم للقادة طريقةً للتصرُّف على نحوٍ متسق.

وفي أغلب الأحيان تنشأ هذه المعتقدات نتيجةً للتعلم من التجارب، لا لتصريحات المؤسسة التي تعلن عن قيمها أو من منطلق الجشع المهني الفظ، وهذه المعتقدات راسخة على نحوٍ صادقٍ وعميقٍ، لكنها تتسم ببعض “المرونة”.

ولذا ينصح الكتاب القادة على التصرف بنزاهة، وتتطلَّب تحديات القيادة عبر توظيف العقل والقلب والشجاعة مجموعةً من المهارات ليس من السهل اكتسابها، وفي كثيرٍ من الأحيان، تتطلَّب أكثرَ من مجرد المهارة؛ إذ تتطلَّب منَّا التصرُّف بنزاهةٍ وأن نعكس جوهرنا الحقيقي كقادةٍ وكأشخاص، إنها تلمس ما نعتقده عن أنفسنا، وما نعتقده عن الآخرين، وما نعتقد أنه ممكن ومرغوب فيه للعالَم ولمستقبلنا.

تمتلئ معظم المؤسسات بقادةٍ جزئيين، وما نريده جميعًا هو القادة الكاملين، حيث بدأت المؤسسات تدرك أن هذا النوع المطلوب من القادة لا يمكن تطويره من خلال التدريب في قاعات المحاضرات؛ ولذا فقد قامت بتحديد الأفراد القادرين على إظهار مهارات العقل والقلب والشجاعة، وقامت تنشرهم في مختلف الفروع أو التقسيمات، ومع هذه الخطوة ستكون المؤسسات قادرة على صنع قادة كاملين وقادرين على تطوير الأدوات، والرؤى، والوسائل اللازمة للقيام بتوظيف وتدريب وتطوير القادة الكاملين القادرين على تقديم حلولٍ متكاملة وغير مثقلة بأساليب وفلسفات القيادة الجزئية لمواجهة لتحديات العالم.

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟