تركتُ العراق ولن أسامِح
2023/03/30
 
860
عدنان شاكر 
مجلس الحكم الموقت أو مجلس القادمون الغرباء عن سماء الوطن وأهله وأرضه وهوائه ، كان باكورة الفساد والطائفية ، والصفقة الأولى التي تفرعت عنها بقية الصفقات لذبح العراق وبيعه . والذاكرة العراقية لا تزال طرية والصورة لا تزال شاخصة أمام العراقيين ، تلك الصورة التي فقأت عيونهم وأدمت قلوبهم وهم يشاهدون احتفالية الدَم غداة إحتلال بغداد العباسية ، وكيف جعلوا يوم سقوطها في التاسع من نيسان عيداً وطنياً ومهرجاناً للنصر ، تبادلوا فيه التهاني ورفعوا بمناسبته الأنخاب . مهرجان تحدث فيه الدجال والمهرج واللص وقاطع الطريق عن الثأر التاريخي ، وعن الأحزاب السبعة ضمن مشروع الغزو الذي جاء به حاكم العراق بول بريمر ليجعلوا أرض الرافدين جنات تجري من تحتها الأنهار ، وكانوا يقصدون بذلك أنهار دَم لا أنهار ماء .
تركتُ العراق ولن أسامح عديمي الشرف الوطني الذين أسسوا لأول مرة في التاريخ ثقافة الاستقواء بالأجنبي التي حرمتها شرائع الأرض والسماء منذ بدء الخليقة . 
لن أسامح ، كل من ساعد الجيوش الأجنبية على ضرب جيش بلاده ، وكل من ركب قطار الاحتلال الذليل ورضى بعاره . ولن أسامح نذلاً واحداً رَقصَّ على سمفونية قصف بغداد بالصواريخ ، وهَزَّ مؤخرته فرحاً بمشهد الدخان ورائحة البارود والحرائق المتصاعدة من قلب قلبها .
لن أسامح من حَلَّ الجيش الوطني واستبدله بالدمج الطائفي والعشائري والمناطقي ، ولن أسامح من حارب ضد جيشه أن يقود هذا الجيش .
لن أسامح من حولوا بلدي الى بحيرة من دماء وأشلاء متناثرة ، ويحكموه بشريعة الغاب ، فأصبحنا شعباً مشرّداً ، ملاحَقاً ، نازحاً ومهجّراً . 
لن أسامح من قتل الأدباء والعلماء والخبراء ، ومن اغتال الطيارين وضباط الجيش السابق الذين قاتلوا إيران بطاعة الجندية وشموخ قيمها ، وقبلها كانت لهم الصولات الأولى في تدمير خط بارليف ، وحين استبسلوا في الدفاع عن دمشق وحمايتها من السقوط في حرب تشرين .
لن أسامح المعمّمين الشيعة والسنة الذين يكذبون ويحرّضون ويظلمون ، ولن أسامح البندقية التي تحمي السارقين والفاسدين والمجرمين .
لن أسامح من يستغل ذكرى عاشوراء بصيغة سياسية أنانية للترويج للطائفية بغطاء عاطفي ومنفعل . ولن أسامح من يجعل الحسين إمامًا للشيعة فقط ، أو إمامًا للمسلمين وحدهم ، فالحسين ابن الرسالة والوحي وزعيم الإسلام الخالد ، هو رسالة للإنسانية كلها تتجاوز حدود الدين والطائفة والحزب والجغرافيا التي جرت فيها الأحداث . والإمام الحسين هو الذي علمنا كيف نكون مظلومين فننتصر . 
لن أسامح بدماء شهداء شباب ثورة تشرين العظيمة التي أنهت التلفيق الطائفي الى الأبد وأعادت للهوية العراقية اعتبارها وبريق جوهرها ، ولن أسامح الذي حمى من قتلهم . 
لن أسامح من سرق المليارات ، وزوَّرَ الشهادات وأفقر الشعب وأفشى الأمية والجهل والمخدرات وحطم الزراعة والصناعة والصحة والتعليم وألغى مقومات الحياة .
لن أسامح الإعلام الذي شرّع الكذب ورفع الكاذبين ، ولن أسامح الجبناء المختبئين وراء جيوش من ذباب وبعوض ألكتروني ، وهم ينشرون سموم الحقد والكراهية .
لن أسامح من يختصر هوية الوطن بشخص أو حزب أو كيان أو عقيدة أو عرق أو قومية أو مذهب أو دين .
تركت العراق ولن أسامح ضمير الإنسانية وقضاة العالم إن لم يحاسبوهم عن فاجعة وطن لم يتسع لقبور أبنائه .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟