السوسيولوجيا التاريخية في أدب فرج ياسين
2023/03/11
 
804

عدنان شاكر 

تُعَدُّ السوسيولوجيا التاريخية حقلًا معرفيًا عابرًا للتخصُّصات ، تهدف إلى معرفة سيرورة القضايا الاجتماعية في أمدها الطويل ، من حيث الاندماج والتفكُّك ، والتَعَدُدْ الديني والعرقي والثقافي ، وقضايا الحداثة وارتباط المحلي بالكوني . وبما أن التاريخ ليس فقط بوابة إلى الماضي ، بل هو أيضًا يوحي بحاضرنا ومستقبلنا ، فالسوسيولوجيا التاريخية تساعدنا على ( إعادة ) تفسير الإشكالات الثقافية والاجتماعية والسياسية . وبدون هذا الطابع الزمني الذي يعطينا إياه الأدب ، لن نعرف شيئا كافيًا عن حقائق وتجليات الماضي ، إذ يسمح الأدب لنا بإرجاع الزمن إلى الوراء والتعرف على الحياة من أولئك الذين ساروا أمامنا . 
الأدب هو انعكاس للإنسانية وطريقة لفهم بعضنا البعض ، خصوصًا الأدب العظيم الذي هو ببساطة لغة مشحونة بالمعنى إلى أقصى درجة ممكنة . وذلك من خلال الاستماع إلى صوت شخص آخر ، يُمَكُننا من البدء في معرفة كيف ينبغي أن نفكر وكيف ينبغي أن نختار .  
قصص الأديب الكبير فرج ياسين ، هي لا تتحدث عن تاريخ العراق والعرب والعالم ، ولا عن تاريخ المجتمعات والأديان ، بل تتحدث عن العنف والخوف والفقر والجهل والذاكرة وثقل الماضي وفداحة الحاضر وشبح المستقبل . لكن تأثير الحدث السوسيولوجي التاريخي واضح وجلي في قصصه ، على الأقل في مجموعة قصص الخميس ، المجموعة الوحيدة التي بمتناول يّدي في المهجر ، سوف نجد الكثير من أسماء القصص يمتد جذرها في أعماق التاريخ والتراث مثل ( أبابيل ، المرسلون ، ان الملوك ، القربان ، تقوى ، الشعراء ، ووضع الميزان ، عذره ، بردًا وسلام ، المسبحة ) . وإذا كان في كل هذه القصص قد استخدم فرج ياسين أسلوبه الرمزي المعتاد ، يأتي منشوره الأخير ( استغاثة ) " الدافع الحقيقي الذي يقف وراء كتابة هذا المقال " ، إظهارًا مباشرًا لهذا الأثر الاجتماعي التاريخي ، حين استدعى فيه ، عروة بن الورد والصعاليك النبلاء ، ليأتوا إلى عصرنا والتغلب على الظالمين وتحقيق العدالة وإنصاف الفقراء .. فكانت بحق صرخة غفارية ( نسبة إلى الصحابي أبا ذر الغفاري ) الذي قال : ( عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه ) . فلا يمكن للأديب المفكر الذي يستحق اسمه أن يَظلّ هادئاً وهادئاً ، دون فضح المظالم الاجتماعية للطبقات الأقل حظاً في المجتمع . من واجبه بذل جهد متعمد مستفز لإيقاظ الضمير العام ضد كل نوع من أنواع الشر . فهو كأديب ومصلح اجتماعي ناشر لأفكار الوعي والحرية والعدل والمساواة ، يدرك تمامًا أن كل حدث في التاريخ له جانب آخر ، نسخة تم تجاهلها أو إخفائها أو قمعها بوعي . لهذا نراه مرارًا وتكرارًا يقوم باستخدام أدبه السردي المكثف الأنيق في اختراق التاريخ سواء من خلال فتحاته الواسعة ، أو من خلال شقوقه الضيقة ليتيح لنا معرفة هذه الأماكن الخفية التي لا يمكن فهم وشرح الهياكل الاجتماعية وأشكال التفاعل البشري التي تشكل المجتمعات المعاصرة دون التهيئة لها من منظور تاريخي ، وتعزيز دور هذا التاريخ ، بدلا من تجنيس بعض الهياكل والإجراءات والطقوس . 
السوسيولوجيا التاريخية في أدب فرج ياسين ، تتميز بمهارة القبض على ظواهر الاضطراب الاجتماعي ، وملاحظة ما يَهُم ، وإضاءة ما هو مناسب للضوء . وتضيف للواقع بلا حدود ، وتصفه ببساطة للمتلقي ، إنها تثري القدرات اللازمة التي تتطلبها الحياة الصعبة والظروف القاسية . فحيثما يوجد الفكر ، تبقى الكلمات حية ويصبح الأدب هروبًا ، ليسّ مِنْ ، ولكن إلى الحياة . وفي هذا الصدد ، تستمر قصصه تروي الصحاري التي أصبحت حياتنا بالفعل .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟