دِنٰانُ بَغدَاد تُملأ بِنَبّيذ الحُب لا بِريحٍ صَفرٰاء
2022/09/07
 
1388
 
عدنان شاكر 

( بين منزلةِ الرؤى الأولى ومنزلةِ الجنون 
حُلُمٌ جميل ..
أيّ ملحمةٍ .. يَخُطُّ حُروفَها الطينُ النَبيل
بغدادُ ..
هذا الطائرُ الفِضيُّ .. حيث يكون كان الشعرُ واللحنُ الجميل ..
ولطالما غَنَّتهُ دجلةُ في لياليها .. ورددّهُ المغنّونَ الفُحول
الموصليان الخرافيان ، والعودُ السَخيُّ 
وَتَرٌ غَوّي ..
بغدادُ ..
سِحْرُ مآذنٍ خُضرٍ .. وسِحرٌ بابلي )*

يكمن سر عذوبة جمال بغداد وسحرها الفاتن إنها منذ ولدت كانت متصالحة مع نفسها تحتضن جميع الأديان والطوائف والأعراق .
هناك في بغداد يقيم السُنَّة مجالس عزاء أحبتهم في الحسينيات المجاورة ، ويقيم الشيعة مجالسهم في المساجد السُنِية القريبة ، ويشترك المسيحي والصابئي في الطبخ للحُسّين ، ويبكي السُني بحرقة في عزائه ، ويخرج الشيعي ليحتفل بالمولد النبوي في المساجد السُنِية ، فهي تمثل روح العراق وحقيقته المتحضرة .
بغداد المتآخية الحُلم الشفاف لكل العراقيين .. حيث كانت تسير المُحَجَبّة مع الكاشفة عن زنديها الفضيين بكل ود وانسجام ، ويجالس إمام الجماعة في نهار بغداد من قضوا ليلتهم البارحة في شارع أبو نواس بكل محبة واحترام .
 بغداد العباسية احتوت الجميع ومنحتهم الحب وملئتهم بالجمال .. ولأن بغداد ذات الهوية الملونة الزاهية ، ظَلوا يستهدفونها ، ويحشدون على عفاف نخيلها ، ليحرقوا أغانيها ويسرقوا الأحلام من عيونها ويخطفوا دفء العشق فيها .. لكن رغم كل الذي حَدَث ظَلَت عصية على خفافيش الظلام ، فهي أكبر من لؤمهم ودناءتهم ، وستظل هكذا عامرة بالتسامح والسلام متصالحة مع ذاتها متقبلة للكل ومحتوية لهم ،  فدِنان بغداد كانت وستبقى تُملأ بنبيذ الحب ، لا بريح صفراء تهوج من عَفَّن التاريخ . 

* من قصيدة ( إعتذار الى أبو جعفر المنصور ) للصديق الوفي ، الشاعر الكبير حميد سعيد .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟