ماذا بعد الاحتكام للسلاح؟
2022/09/05
 
244
ابراهيم العبادي
عندما تقاتل الحزبان الرئيسيان في كردستان عام 1996،بعد خمسة اعوام فقط من الادارة المستقلة للاقليم اندهش كثيرون من انفلات الامور بسرعة وبلوغ الخلافات نقطة اللاعودة ،ليقرر الحزبان عن قصد أو بدونه ترجيح الحل العسكري ،رغم مخاطره الكبيرة على التجربة الوليدة ،تسائل المراقبون يومها عن الدوافع السياسية والمحركات الاجتماعية والتباينات الفكرية التي تدعو اخوة السلاح الى الاقتتال المرير الذي كان من مضاعفاته الاحتماء بالعدو (جيش نظام صدام )لوقف التداعيات العسكرية والسياسية ،لم تمنع جميع المشتركات من انفجار الامور على نحو غير محسوب ،بكل المخاطر التي حملها الاقتتال على المشروع السياسي الكردي 
مااستدعى تدخلا امريكيا على اعلى المستويات لمصالحة الطرفين وتقسيم الادارة بينهما وتجميد الصراع وتبريده في محاولة لحصره في القنوات السياسية والتنفيذية بدلا من اللجوءالى السلاح والعنف ،حدث كل ذلك والدكتاتورية وادوات قمعها الرهيبة كانت على تخوم الاقليم وبالكاد تنفس الكرد الصعداء بعد سني القمع بالكيمياوي والانفال سيئة الصيت .
في يوم 29-آب وليلة الثلاثين منه ،انزلقت الامور بين طرفي النزاع الشيعي في العراق ،لتسجل الخطوات الاولى  للحرب الاهلية والاقتتال داخل الجماعة الواحدة ،طرفا الخصومة هنا افراد مذهبيون ينتمون الى مدرسة دينية واحدة ،لكن السياسة والمصالح والرؤى المتباينة  قادتهم الى الاقتتال الدامي وتهديد وجود الدولة وسمعتها وصورتها ، لم يتفاجأ كثيرون بعبور الخط الاحمر واستسهال اراقة  ( الدم الشيعي) الاسلامي النقي!!  ،فالخلاف السياسي والشيطنة الاعلامية والتحريض المتبادل ،نتيجتها اللجوء الى السلاح والمراهنة على الحسم العسكري .لم يكن ممكنا وقف التدهور السريع لولا قرار شجاع بصرف النظر عن مسوغاته وظروف ولادته ،لكن الدم الذي سال في شوارع مربع السلطة في بغداد سيترك جرحا غائرا  وضغينة تقود الى المزيد من عمليات الثأر والانتقام حتى لو اجتهد الزعماء وتشددوا في الحيلولة دونها .
دخل المشهد السياسي العراقي الدرجة القصوى من التعقيد وانتقلت الجهود من محاولة حلحلة الجمود والانسداد السياسي الى تفادي التصعيد وانفلات الامور مجددا ،لمنع اراقة المزيد من الدماء ،احتاج الكرد الى خمسة الاف ضحية بين قتيل وجريح ومفقود لتتدخل الولايات المتحدة وتجمع طرفي النزاع لتوقيع اتفاق سلام يرخي الايدي المشدودة على الزناد،لكن هل دفنت ذكرى الازمة ومرارتها ام مازالت تطل بين الفينة والاخرى ؟ في الواقع ان مضاعفات ذلك القتال سممت اجواء الكرد السياسية ومنعت توحيد الادارة بين السليمانية واربيل ،ومازالت أجواء عدم الثقة والحساسية قائمة بين قيادات وجمهور الحزب الديمقراطي وبين جمهور وقيادات الاتحاد الوطني ،القتال والدماء لعنة تعلق بجبين وناصية التاريخ ولطخة عار وشنار لايمحوها الزمان .
من بأمكانه ان يجمع  زعماء الخصومة السياسية الشيعية على طاولة مفاوضات واحدة بعد ماحصل الذي حصل وتم تجاوز جميع الخطوط الحمر ؟.ان الطرف الذي جمع الكرد يومها كان الفاعل الدولي الاقوى وهو الولايات المتحدة حيث  لم يستطع  اي جناح كردي ان يرفض لها طلبا وهو يعلم حجم الخسارة والضريبة التي عليه ان يدفعها ،اذا مااراد المشاكسة .
في المثال الشيعي العراقي ليس بامكان امريكا التدخل ولا حتى ايران ،بعدما صارت الاخيرة خصما في نظر التيار الصدري .
وليس بوسع اي مبادرة سياسية ان تعالج الصدع الكبير الاخذ في الاتساع على خلفية الدم المراق ،يراهن بعض الناس على المرجعية العليا في النجف لتمد بساط التهدئة والمصالحة ،لكن هؤلاء المراهنين لايحسبون ان طرفي الخصومة السياسية والنزاع المسلح لايدينون بالولاء لهذه المرجعية ، ولم يسمعوها وليس من ضمانات لان يسمعوا لها ويطيعوا ،نعم هم لايستطيعون معارضتها علنا ،ويتحدثون في الاعلام كثيرا عن تبجيلهم لها والاشادة بحكمتها ،الا ان المرجعيات السياسية والمزاجية العالية والمخاوف المتبادلة تجعل كل طرف متمسك بمشروعه السياسي رغم ارتكابه الاخطاء تلو الاخطاء ،ولو كانت المرجعية العليا مطاعة ومسموعة لما ارتكب المتخاصمون كل هذه السلسلة الطويلة من السلوكيات السياسية الخاطئة ،فقد كان واضحا منذ عام 2018 ان الامور متجهة الى مزيد من التعقيد والتعارض وان الازمات كانت تشتد وتشتد بلا رؤية متبصرة ،الان تأكد الجميع من عمق المأزق الذي اوقعوا انفسهم والبلاد فيه ،رغم ذلك لم تظهر بوادر الى عقلانية متأخرة ،فصوت الصقور هوالاعلى والاكثر تأثيرا ،ويساهم الاعلام ومنصات التواصل في التاجيج ،وتتراجع اصوات العقلاء في زحمة الضجيج المتعالي ،فيما تبدو النخبة الشيعية عاجزة وغير ذات تأثير ،وينجرف الشارع بقوة مع تفسيرات المؤامرة والانقلابات المسلحة ،اما شركاء الوطن فقد باتوا يصطفون في صفوف انتظار طويلة ريثما يحسم منطق القوة حرب الاخوة الاعداء !!!.
لامخرج من الازمة المستحكمة الا بتسوية ذات مخارج دستورية تهدف الى احتواء الامور وادارتها والعودة الى المسار الدستوري باعادة ترميم السلطات والذهاب الى انتخابات جديدة ،وعلى العقلاء التحضير لمؤتمر على غرار مؤتمر الطائف عام 1989 الذي قسم السلطة بين الفرقاء ومنح لبنان خمسة عشر عاما من الاستقرار
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟