مـَن يُشْعِل الحريـق في العـراق؟
2022/06/21
 
576

عدنان شاكر

 

الأوضاع السياسية المتأزمة التي يعيشها العراق اليوم بكل تداخلاتها وعلى كافة المستويات، والمتمثلة بالصراعات والتجاذبات والرذيلة والفساد ومواقف الإقصاء وإلغاء الآخر، وانعكاساتها على الوضع الأمني المنفلت، لا يمكن فصلها عن سياقاتها العامة ومجريات الأحداث التي بدأت منذ عام سقوط بغداد. فهي بامتياز منتج احتلالي أمريكي بتسويق إيراني ، له أهدافه وغاياته المدمرة بالتعاون مع مجموعات وأطراف جاءت معه من عواصم الغرب ومدن الجوار، ومجاميع أخرى ظهرت على السطح بعد أن وجدت في المناخات التي أوجدها المحتلون متنفسًا لها لتعبر عن غاياتها ونواياها الضيقة ، وسَلَمَت قيادها له لتساهم معه في تخريب وتدمير أركان وأسس الدولة العراقية الوطنية المدنية ، ولتمارس بمعيته عملية التفكيك الممنهج للنسيج الاجتماعي العراقي ومؤسساته الرصينة بغية إعادة تركيبها بما يخدم المخططات الخبيثة التي اجتمعوا جميعًا من أجلها .

المحتل والذين جلبهم معه تحت مسمى العراق الجديد، كان لا يمكنهم بأي حال من الأحوال، بل ومن المستحيل أن يحققوا بناء أسس الدولة المدنية المعاصرة كما ادعوا، بل على النقيض من ذلك ، فما قاموا به لم ينتج غير الفراغ والفشل ونهب البلد وسَبْيِهِ . لأن الفلول التي اعتمدها المحتل ليس باستطاعتها أن تحقق ذلك - أو هكذا المحتل أرادها أن تكون  ــ بأن تقوم على أسس طائفية وعرقية ومناطقية ، بعيدًا عن القيم الوطنية والمهنية السليمة ، وفي هذه الحالة فإن الدولة التي تؤسس على ذلك لا يمكن لها أن تأخذ صفة الدولة ، بل هي أشبه بتجمع بدائي تَعَطَلّ عنده الزمن ، وتوقفت بهِ الأرض عن الدوران ، وانمحى لديه تعاقب الليل والنهار ، فاستمر غارقًا في الظلام . حيث جرى إلغاء المواطنة بهذا التوزيع الفئوي، ولذلك لم يعد هناك وطنًا عندما نصنف المواطن حسب طائفته وعرقه ومذهبه، التي لا وجود للمواطن إلا من خلالها.

إن ما يجري اليوم بشأن الالتفاف على نتائج الانتخابات لتشكيل حكومة جديدة من قبل الخاسرين الفاشلين، ليس إلا امتدادًا وتواصلاً مع المسيرة السابقة بكل مفاهيمها المنحرفة وسلوكياتها التخريبية، بعد أن أدركوا رفض شعب تشرين العظيم بكل أطيافه تلك الاصطفافات الطائفية المقيتة وما أفرزته من أوضاع مأساوية في غاية القسوة والبشاعة، دفع العراقيون ثمنها دماً ودموعاً وبؤساً. هذه الفلول ومن أجل أن تبقى في مواقعها واستئثارها بالسلطة ، وخشيتها من المحاسبة عن ما اقترفته من جرائم ضد الإنسانية ، وما نهبته وسرقته طيلة السنوات الماضية ، أخذت تمارس مواقف علنية واضحة في إقصاء أي مشروع وطني قادر على إنقاذ العراق المثخن بالجراح ، وذلك بإعادة التخندق الطائفي والعرقي مرة أخرى وبطرق ملتوية لكنها مفضوحة ، في وقت أمَلَّ فيه العراقيين أن تشكل الانتخابات الأخيرة حالة إفتراقية عن سابقتها وتكون أول مسمار يدق في نعش المحاصصة اللعين ، يُخْرِجَهُم من ضيق الطائفة إلى رحاب المواطنة الواسع .

حاليًا المشهد العراقي الذي تكتنفه الفوضى والاضطراب ، ينبىء أن الأوضاع في العراق تتسارع في حالتها المتدهورة ، وستكون وطأتها أثقل وأصعب من السنين الماضية على العباد . فالانتخابات الأربعة السابقة رسخت أفكار تقسيم الشعب والوطن على أسس مذهبية وعرقية ودينية ، ونتيجة لتلك التقسيمات الشاذة واستمرار حالة الشحن والتحريض ضد الغالبية الشعبية الوطنية المطلقة ، فإن الطيف الاجتماعي والسياسي الآن يعج بخطوط التماس الملتهبة مثل خطوط البرق خلال الغيوم السوداء المتلبدة في السماء ، وإن وضعًا كهذا يصلح أرضية لصراعات خفية ومعلنة ، قابلة للتحول الى مواجهات مكشوفة ، خصوصًا وإن الطيف الاجتماعي في عراق ما بعد الاحتلال هش وممزق ، وهو قابل للتوظيف السيء من قبل الماسكين بمعاول الهدم الطائفي والعرقي ، والممعنين في تخريب الوطن ، فهم وحدهم من سيتحمل مسؤولية إشعال فتيل الحريق في العراق لا سامح الله .

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟