فرج ياسين .. مقدمتان لموضوع واحد
2022/06/13
 
694

عدنان شاكر 

المقدمة الأولى ( المفكر ) : لن أتحدث عن فرج ياسين ، الأديب والأكاديمي الذي تربع في العقد الأخير عرش السّرد القصصي القصير ، مبايعاً من كبار نقاد الأدب في العراق والوطن العربي . فهذا أمر حَسَمَهُ أصحاب الاختصاص ، لكن حديثي ينصب عن فرج ياسين ، المفكر ، الذي يتجول في مسارات مغطاة تقريبًا بالأعشاب الضارة في المجتمع والسياسة والدين والتاريخ ، في سياق أحلام من أجلِ جيل قد تنبت فيه أزهار أمل جديدة في أكثر الحدائق البالية والمهملة في العالم . 
هناك أربعة عوامل رئيسية ينبغي توافرها في وديعة المفكر : المعرفة ، والقدرة ، والرغبة في إيقاظ المجتمع ، والقيام بذلك من أجل قضية نبيلة أو غرض نبيل .. ولا يتفق عدم وجود أي من هذه العوامل أو العناصر مع وصف المفكر . وهنا أجد قدرًا كبيرًا من الحقيقة في كلمات أينشتاين : " العالم مكان خطير ، ليس بسبب أولئك الذين يفعلون الشر ، ولكن بسبب أولئك الذين ينظرون إلى الداخل ولا يفعلون شيئًا " . لذا ومن هذا المنظور ، يحمل فرج ياسين ذو القدرات الأدبية البلاغية الكثيفة والمعرفة الموسوعية المتجددة هذا النوع من المسؤولية ويدين لعالمه بفوائد حكمته العميقة . فهو ينظر إلى العالم بعيون الحكيم والمصلح الاجتماعي الذي يريد بناء مجتمع فاضل وقيادة الناس إلى طريقة الحياة الحقيقية ، من خلال نقل رؤيته المتنورة بشكل فعال ومقنع بناءً على المبادئ البشرية السامية ، لتشكيل المعايير والقيم الاجتماعية الصميمية وحمايتها . إنه الرجل المهيب الذي شاهدناه آنذاك في ( المرسلون ) ، يقدم لنا اليوم حِكَمَهُ الكبيرة بأقداح صغيرة جميلة .

المقدمة الثانية ( طعنات الألم ) : أول مرة قرأت فيها كتابات فرج ياسين ، كان ذلك في المهجر بولاية نيو جرسي قبل ستة أعوام ، حين وصلتني مجموعته القصصية ( قصص الخميس ) بإهداء خاص منه ، وكان فصل الخريف قد شرع أبوابه الملونة للتأمل والإلهام . فالطبيعة هنا مثل آلة كمان تعزف ألحانها ، لا نسمعها لكن نراها .. فلا عجب أن يكون الجمال والسحر الأسطوري لهذا الموسم قد تم التقاطهما في اللحن الكلاسيكي للولاية .
قرأت المرسلون والخنجر والأقنعة ، بعدها صَحَّت بغتة كل الأحزان من رقادها في قصة ( رسالة ) ، لتمرح داخل النفس بكل حمولتها ، مثقلة العقل المسهد باكتشاف المعنى الحقيقي للبعد والمسافات . فقد أحسست بطعنة الألم التي يكابدها القاص الهارب من بيته ومدينته بعد أن استولى عليها الارهابيون ، وكأنها طعنات ألم يومية من نصل منغرس في قلب كل مهاجر انعطفت حياته لطرقات مدن لم يألفها من قبل . 
منذ ذلك الحين ، أصبحت قصص الخميس ، تميمة شخصية أحملها معي في كل ترحال . ولرمزية تاريخ وصولها وأجواء القراءة الأولى ، تمسكت بطقس خاص ، بأن لا أعيد مطالعتها إلا في مواسم الخريف ، وفي وقت يكون فيه الغسق الأرجواني قد بدء يلون صفحة الأفق اللامتناهي ، ليسحب بصمت من الجسد المنهك كل ما تبقى لديه من مشاعر وأحاسيس ، ويأخذها تسبح معه في أعماق ماضيه الذي يقتات منه في عالم الغربة .

الحسنى للقائل : ( أروي للناس العابرين ما يعرفونه ، ولكنهم يعجزون عن التقاط جمرتهِ ) .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟