المهاجرين العراقيين .. مأساة إنسانية غير مرئية
2022/05/22
 
306

عدنان شاكر 

هنا في نفس كل عراقي مهاجر وأينما كان ، أمل بالعودة إلى الوطن حيث تستقر روحه المتشوقة إلى بيته وأهله وأصدقائه وموطن ذاكرته وذكرياته وتاريخه ، وحيث تستريح لهفته الى الحياة التي تركها وراءه عندما أجبر على مغادرتها وحيدًا ، أو مع عائلته خوفا من مصير مجهول . والكثير منهم عاشوا فترة إنتظار ظهور بارقة أمل ليحزموا حقائبهم ويعودوا إلى بيوتهم ، إلى شمسهم وكرامتهم بأسرع وقت ليضعوا حدًا لمناحة القلب وذبول الروح . 
أعرف عَدَدًا من المهاجرين كانوا عازفين حتى عن ترتيب ثيابهم في خزانة الملابس خشية أن يراودهم إحساس بديمومة البقاء على أرض غريبة وتغويهم طول فترة الغربة عن العودة . فإذا كانت أحاسيسهم بهذا الشكل ، فلماذا إذاً ، لا يرغب المهاجرين بالعودة الى الوطن ؟؟ 
يقول المهاجرون ، جوابًا ، بأنهم لا يثقون قطعيًا بتحسن الأوضاع في ظل سلطة يحكمها لصوص وقطاع طرق ، ويفضلون البقاء كما هم في دول اللجوء بدلًا من العودة الى العراق ، وهذا لا ينقص من وطنيتهم وحبهم وشوقهم لوطنهم . فإلى أين يعود المهاجر وهو الذي حمل حياته وحياة أطفاله بين كفيه وهرب ؟ إلى بيته الذي لم يعد بيتًا والذي إحتله الآخرون ؟ أم إلى مدينته المطوقة بالسيطرات ولا يستطيع الدخول إليها أو الخروج منها إلا عبر نقاط تفتيش وهويات وكفيل ؟ هل يعود إلى إهانات أجهزة الدمج والميليشات ومداهمتها للبيوت على ذمة المخبر السري واعتقاله بلا تهمة لينام في المعتقلات السرية والعلنية بلا قانون يحميه ؟ أو لعله يعود مع أطفاله ومن يعيلهم من كبار السن إلى بلد بلا تعليم حقيقي ، ومستشفيات بلا دواء ، ومياه تختلط بمياه النجاسة ، ومدن ومساكن بلا كهرباء ؟ هل يعود إلى البطالة والرشوة والفساد ؟ هل يعود الى حملات الإعتقال العشوائية التي  تشنها الحكومة لإسكات كل صوت وطني حر ؟ هل يعود ليكون مشروعا للارهاب والموت المجاني ؟ هل يعود ليصبح رقماً تستفيد منه طبقة سياسية سافلة في تحقيق إنجازات وهمية بعد أن إنتفخت بطنها قيحا وسحتا حَدْ الإنفجار .
إن أجوبة المهاجرين الذين يؤرقهم حنين العودة للوطن هي أفضل تلخيص لواقع الرعب والتمزق الاجتماعي الذي خلقته حكومات الميليشيات والطوائف والقبائل والأعراق . ولكن يبقى ألم المعاناة وجراحها النازفة كامنًا في نهاية المأساة ، يَومَ يقف فيه الأبناء على قبور المهاجرين الآباء : " هنا يرقد آبائنا وأجدادنا ، قدموا إلى حين تتحسن الأحوال في بلدهم ورحلوا دون أن يحدث شيء " .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟