نَهْبّ الزمن وعراق خارج التاريخ !
2022/04/27
 
512


عدنان شاكر 

شكل نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ضربة مفجعة للفكر العراقي الوطني السائد ، وصدمة من الصدمات لا تقل فداحة من حيث المشابهة والخطورة عن صدمة الاحتلال . وكنا نتوقع لهول الأحداث وجسامتها ، إستنباط الدرس الفكري الناجع لنقد الذات والتجربة الحزبية العراقية بصورة عامة وشاملة . إلا إنه للأسف لم يحظ الماضي ولو بالحد الأدنى من النقد الذاتي مما ولد حاضرًا أكثر دموية وأقسى مأساوية وأشد قتامة . فخلال أكثر من ستين عام إرتكن العقل الحزبي العراقي وبدون إستثناء لما هو مريح في التأويل وما هو غير مكلف في إستشراف الرؤية لمستقبل أقل خيبات وتراجعات وإهدار للثروات . بل إن ثروة الزمن نفسها تم إهدارها ، فظل التفكير نفسه والركود العقلي وعدم النضوج والطفولة السياسية ذاتها ولكن بمبتكرات وتقنيات جديدة ، بحيث أصبح الفكر الرجعي المحنط والمنبعث من عصور الإنحطاط والظلام الذي تحمله أحزاب الإسلام السياسي الشيعي والسني يلقى في الوطن رعاية ما لم يلقه الفكر التنويري الذي طرحه مفكرو عصر النهضة والحداثة والتقدم . فتحول نضال وكفاح الجماهير العراقية وقواها الشعبية وطبقاتها الوسطى وأحزابها الوطنية الشريفة إلى ما يشبه السراب في الزمن ، وإلى ما يشبه البخار المتصاعد في السماء كسحابة صيف لم تحدد بعد المدن الأخرى التي ستمطر عليها فتن وصراعات طائفية وتكفيرية وإثنية ومناطقية .  الجميع إستسلم للفخ الذي نصبه لهم الآخرون كي لا يخرجوا من إطار الخطاب الماضوي العصبوي فانخرطوا جميعا في أصناف العمل الحزبي القديم المدمر للذات ، مما أدى الى انتاج طبقة سياسية مخزية عاهرة أنهكت البلاد وسبت العباد . في كل ذلك يستغرب المتأمل كيف أن عنصر الزمن أصبح لا قيمة له في عراق الميليشيات والفساد ، إلا قيمة عكسية هي تخريب الدولة وقتل الأبرياء وتشريد الشعب ونهب الثروات . فالزمن هو المنهوب الأكبر ، وبخسارته أصبح العراق خارج التاريخ ، لأن الزمن وقت ، والوقت تاريخ ، لذلك يكون الوقت الذي يمر من عمر الإنسان أو من عمر الأمم دونما تحقيق فائدة أو منفعة منه ، يكون مروره عَبثًا وعَدَمًا ، يحسب من الحياة ولا يعود ، لكونه لم يحقق مصلحة أو منفعة ، فهو لا وجود له في تاريخ البشر أو الشعوب إلا بحسبه قيمة مفقودة .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟