العقد الثاني من ديموقراطية العراق
2022/04/23
 
346

نوال الموسوي

 

*مر العراق بتحولات عديدة وسريعة على المستوى السياسي ، وكان لهذه التحولات أثراً عميقاً على المجتمع المكون من  مجموعات متنوعة ومختلفة  ، نظراً لاختلاف الاعراف والتقاليد والديانات و عامل الجغرافيا  و اللغة و مخلفات الحروب والاحتلال الى غيرها من عوامل لم تكن تشكل عائقاً امام التعايش قبل ٢٠٠٣ ، الا ان الاختلاف شيطنته القوى السياسية وحولته الى صراع وصل الى حد النزاعات المسلحة في العقد الأول من الديمقراطية ، و من اخطر التحولات التي شهدها العراق  هو الانعطاف  الخطير في النظام السياسي بعد ٢٠٠٣ ، فقد اثر بشكل مباشر على سلوكيات الفرد و المجموعة ، لغياب مشروع الدولة بكل ما تتطلبه من تهيئة ، فقلبت كل الموازين ، وذهبنا من اقصى اليمين الى اقصى اليسار في اجواء غير مستعدة لاستقبال النظام الجديد وغير المألوف سلوكاً وتنظيمًا ، و كذلك شكل انقساماً  جديداً  بين مجموعة المحافظين الخائفين من التجديد والطامحين له وأستمر هذا الخلاف بتذبذب الى يومنا هذا في العقد الثاني من عمر الديمقراطية العراقية ، التي غيرت المنطقة ككل قبل ان تغير محتوى رقعتها الجغرافية فما نتائجها اليوم بعد مرور ١٩ عام وما هي ابرز الملاحظات  ؟؟

من الملاحظ ان تداخل السياسة في الحياة العامة للفرد تعمق اكثر  ، بسبب اهمال حاجة المواطن الأساسية من خدمات واصرار   الاعتماد على الخطاب المكوناتي والتحشيد السياسي الذي انتهجته القوى السياسية لمكاسب بأفق ضيق في العقد الاول ، فتلاشت الهوية الوطنية الجامعة تحت وطئة الفئوية و شرعت الانقسام بعمق اكثر لبروز هويات عديدة  ومنها المناطقية ، وربما  الانتخابات الاخيرة ٢٠٢١ باعتمادها نظام الدوائر المتعددة لأول مرة ستعزز من المناطقية رغم انه نظام يدعم عمق الديمقراطية بالتمثيل الانتخابي ، ومنح الوجوه الجديدة فرصة المشاركة  و لو انه نتائج الثورة الجماهيرية العارمة التي انبثقت من وعي سياسي كبير لدى الجماهير الناقمة على الوضع العام بعقد الديموقراطية الثاني .  و يعتبر ازدياد الوعي الجماهيري الحسنة الأكبر للنظام الديمقراطي الذي اعتمد على نشوء الاحزاب والحركات والتيارات السياسية ، التي اتخذت من شرائح المجتمع منطلقاً لحصولها على شرعية التمثيل السياسي ، حيث ازدادت نسبة مشاركة الاحزاب عن انتخابات( ٢٠١٠ )بفارق (٥٦ ) كيان وحزب سياسي في (٢٠٢١ ) وبمشاركة جماهيرية اقل مما سجلته انتخابات العقد الأول  بفارق ( ٢٠٪؜ ) لعدة اسباب منها ، الغاء الاقتراع الخارجي  ، و تراجع ثقة الناخب بجدوى المشاركة ، و الإحباط المسيطر على مزاج الناخب نتيجة الإخفاق المتراكم للاحزاب الكلاسيكية المسيطرة على المشهد ، وتنامي حركات شبابية عديدة تحاول التخلص من الصقور ، وإيمانها باهمية تغيير النظام ، وشعور عالي بمفهوم دولة المواطنة و تلاشي الهويات الفرعية مقابل الهوية الوطنية ، وهذا خلاف لمعتقدات العقد الأول من افكار سادت المجتمع آنذاك .

كما اسهم الوعي بالمزيد من الافكار والتطلعات وكسر التابوهات ، وسجل انحساراً للعقل الجمعي الذي يتحرك وفق الاجندات والأدلجة  ، وفتح العديد من الآفاق على المستوى السياسي ، من خلال النقد اللاذع للاداء الحكومي ، و غير الحكومة في ( ٢٠١٩  ) بتظاهرات حاشدة لم يشهدها العقد الأول .  شكلت التظاهرات نقطة ارتكاز مهمة لتوصيف شكل النظام الديمقراطي الذي لا يخلو من الفوضوية احياناً ، حيث باتت القوى الحكومية مكبلة امام الحشود  ، ((بعض هذه الحشود لا تزال مسنودة من قبل جهات ترى رئيس الحكومة خصم سياسي  مجابهته واجب شرعي واخلاقي دفاعاً عن المظلومين ))        كما وتتخذ هذه الجهات الحزبية مطالب جمهورها سلاح لمواجهة خصمها السياسي  بغض النظر عن رؤية الدولة و دور المواطن وروح الانتماء للوطن .

مما اتاح مناخاً مناسباً حتى لاستشراء الفساد الذي شكل تهديداً متسعاً وعرفاً اجتماعيًا سائداً ، يتغلغل في عمق المؤسسات وبمؤشرات تراكمية  ، حيث سُجل العراق عام ٢٠١٠ بالمرتبة الرابعة  ،  واستمر محافظاً على تقدم قائمة الدول الاكثر فساداً الى اخر تقرير صدر ٢٠٢٠ ليقدم العراق اكثر من ((١١٠٠٠ )) قضية فساد بتهم طالت مسؤولين من الطراز الاول بين وزراء ومدراء عامين ، ومن خلال هذا التقرير تبين للرأي العام ان حكومة  الكاظمي كانت جادة فعلاً بالتشخيص والمعالجة التدريجية  للفساد  ، و شكلت لجنة بمعايير استثنائية ، لمحاولة تقويض سلطة الفساد ، التي سرعان ما اصطدمت بشكاوى طوعت لمحاربة تلكم اللجنة وقادتها ، و ساعد ضياع القرار السياسي الداخلي على مستوى فاعلية اداء هذه اللجنة كما كل اللجان والمشاريع النهضوية الأخرى ،                بالرغم من ان الاصلاح والقضاء على الفساد مدعوم بتوجيه المرجعية الشيعية العراقية المتمثلة بالسيد السيستاني و من اكثر النقاط التي ركز عليها في خطب يوم الجمعة .

و من أولى اهتمامات المرجعية التي تحظى بالطاعة والمكانة الوجدانية بين العراقيين  هو الحفاظ على المجتمع العراقي وضرورة وحدته و وحدة اراضيه في عقد الديمقراطية الثاني ، و كان ابتعادها  ملحوظاً  عن الحراك السياسي الداخلي حيث اوصدت المرجعية ابوبها عن مجموعة السياسين الذين كانوا على مقربة منها في العقد الأول ، مما زاد  قناعة الناس بعدم أهلية الساسة للمشهد بعد الآن .

ومن الناحية الدينية ، تمسك العراقيون بتاريخ ديانتهم ومعتقداتهم ومراجعهم  لا يتأثر بمحيطهم السياسي ،  الا ان من اللافت للانتباه ان هناك تحول في مفهوم البعض للدين و فكرة وجود الإله و ما يرتبط بالعقيدة والمذهب  وبالاخص لشرائح الشباب بعقد الديمقراطية الثاني ، وهذا قد يعود على مؤثرات الأعمال الارهابية ايضاً التي اتخذت من الدين غطاء لإعمالها الإجرامية التي سادت العقد الأول  من تفجيرات وقتل وفق الهوية الاثنية .                                                    ومن الملاحظات التي سجلت فارقاً مهماً ايضاً  هو  ( الأمن ) فقد نلاحظ تغيير في استراتيجية الهجمات الارهابية و المدى الزمني لها  و مواقعها الجغرافية البعيدة عن المدن مما يدل على وجود مؤثر امني وسياسي حَجم من الهجمات ، و قلص تحركات الجماعات التكفيرية المسلحة .

و من  أبرز احداث العقد الثاني نشوء قوة  جهادية مسلحة سميت الحشد الشعبي لمجابهة هجمة من خصم متكافئ سيكلوجياً لها (داعش ) و كانت هذه الخطوة قوة ردع لابد منها آنذاك ، ولكنها سببت لاحقاً أتساع في ظاهرة تسليح المجتمع وانخراط العديد من المجاميع تحت مسماها كما وحققت للبعض مكاسب سياسية وامنية مقابل اضعاف القرار العراقي الموحد ، و باتت اليوم تشكل نقطة خلاف اساسية بين القوى السياسية فيما بينها  من جهة  وبين ابناء المجتمع من جهة اخرى  ، فما يمكن ان يحله السلاح من اخطاء سياسية وضعف لإدارة الأزمات  ممكن حله سياسياً ايضاً .  

كما ان عودة العراق لمحيطه الاقليمي والدولي  يعد تطوراً ملحوظاً للعقد الثاني وسمه مشجعة لتجفيف منابع تغذية الارهاب من الخارج ، و سعي العراق نحو بناء علاقات استراتيجية اقتصادية تجارية هدفها تحشيد راي سياسي يدعم أمن البلد و يوازن المصالح وينأى بها عن صراع المحاور  و يؤسس لنهضة اقتصادية ترفع  من دخل الفرد و توفر فرص العمل  ، و هذا كفيل بطي صفحة النزاعات المسلحة ، بالاضافة الى انها من المسلمات فهي الحاجة الأساسية التي يطلبها المواطن اليوم من السياسيين  ،

استشعر الفرد العراقي في نهاية العقد الثاني للديمقراطية اهمية التنوع الفكري والعقائدي ودعم مفهوم الهوية الوطنية العراقية  ، بل راح يشجع لها بإعادة ضم  كل من هجر و سفر قصراً من الوطن ،

و اخيراً ملامح العقد الثاني تبدو اكثر نضجاً و ارتكازاً وقد تتحسن بإكمال مسيرتها نحو عقد ثالث  مزدهر نوعاً ما  لكن هذا يقترن بمخرجات الانتخابات الاخيرة ومستوى جهوزية المتصدين للعمل السياسي بعد انتخابات ٢٠٢١ واخذهم بنظر الاعتبار كل المتغيرات الداخلية والاقليمية وحتى الدولية .

* و توفر فرص العمل  ، و هذا كفيل بطي صفحة النزاعات المسلحة ، بالاضافة الى انها من المسلمات فهي الحاجة الأساسية التي يطلبها المواطن اليوم من السياسيين  ،

استشعر الفرد العراقي في نهاية العقد الثاني للديمقراطية اهمية التنوع الفكري والعقائدي ودعم مفهوم الهوية الوطنية العراقية  ، بل راح يشجع لها بإعادة ضم  كل من هجر و سفر قصراً من الوطن ،

و اخيراً ملامح العقد الثاني تبدو اكثر نضجاً و ارتكازاً وقد تتحسن بإكمال مسيرتها نحو عقد ثالث  مزدهر نوعاً ما  لكن هذا يقترن بمخرجات الانتخابات الاخيرة ومستوى جهوزية المتصدين للعمل السياسي بعد انتخابات ٢٠٢١ واخذهم بنظر الاعتبار كل المتغيرات الداخلية والاقليمية وحتى الدولية .

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟