العراقية المجهولة - بغداد تحترق River Bend ـ Baghdad Burning

2022/02/24

301
عدنان شاكر
عام 2005 صدر الجزء الأول من كتابها ( بغداد تحترق ) وفاز بجائزة يوليسّس للصحافة الأدبية ، وتحول الى عرض مسرحي في نيويورك . وفي عام 2006 صدر الجزء الثاني وحاز على جائزة صامويل جونسن للكتابات غير الروائية . الكاتبة لها آلاف المعجبين الغربيين ، وفي الواقع إن المتحمسين لها هم الذين سعوا لجمع كتاباتها وطبعها وترشيحها للجوائز ، وحين توقفت بعض أسابيع عن الكتابة والرد على بريدها ، تنادى أصحاب مواقع الإنترنت في السؤال عمن يعرف سر غيابها وعبروا عن قلقهم لغيابها ، ثم بشروا بعضهم البعض برجوعها . مع ذلك لا أحد يعرفها ، فهي كتبت قبل تسعة عشر عاما بإسم مستعار هو ( منعطف النهر River bend ) .
حين بدأت لم تظن أن تنتهي الأمور الى ما انتهت عليه ، فكل ما فعلته هذه الفتاة العراقية التي كانت تبلغ من العمر أربعة وعشرين سنة حين احتلت بغداد حيث تقيم ، واضطرت بسبب إضطراب الأمن أن تترك وظيفتها وتجلس في بيتها ، هو أن أنشأت لها مدونة على الإنترنت ، وبدأت تكتب باللغة الإنجليزية التي تتقنها جيدا يومياتها في بغداد المحتلة . كان ذلك في آب 2003 أي بعد ستة أشهر من سقوط بغداد ، وكل ما نعرفه عنها هو ما قالته عن نفسها : شابة تعيش مع والديها وشقيقها في بغداد في حي للطبقة المتوسطة ، وقبل الإحتلال كانت تعمل مبرمجة كومبيوتر ، وكانت قد أمضت جزء من حياتها في الخارج ، وعندما سألت في حوار بريدي عبر الإنترنت أجراه أحد أصحاب المواقع الأميركية المناهضة للحرب عن سبب كتابة يومياتها ، كان جوابها : ( أنا سليلة عائلة بغدادية مختلطة شيعية سنية ـ أكتب لأن ذلك يعطيني مساحة للتعبير عن مشاعري وأفكاري وربما لعرض الوجه الآخر للحرب ـ الوجه الذي لا يصفق للإحتلال كما تحاول الكثير من وسائل الإعلام تصويره ) .
رغم إجابتها المباشرة هذه ، فيومياتها أبعد ما تكون عن الصوت العالي المباشر .. على العكس إنها إنعكاسات يومية لفتاة تعيش في وسط كل ذلك الخراب ، تتحرك في محيط بدء يضيق : بين جيرانها ، السوق القريبة من البيت ، تنقل أحاديثها مع بائع الخضراوات ، وتجربتها المرعبة حين دخل جنود أمريكيون ومجندون عراقيون على بيت صديقتها وكانت تزورها للإحتفال بعيد ميلاد ، فلم تزعم البطولة وإنما وصفت إرتعاشاتها وهي تلتصق بصديقتها وهما تحاولان تفادي النظر في وجوه الغزاة حتى انتهت حملة التفتيش .
كانت تقارن في يومياتها حياة العائلة كنموذج للعائلات العراقية المتعلمة قبل الحرب وبعدها .. وكيف أثر الإحتلال على العادات الإجتماعية وعلى حياة المرأة بالذات ، وهكذا فإن يومياتها حافلة باللمحات الثقافية والسياسية دون تبجح بإسلوب سلس ولطيف وساخر أحيانا .
أهم ما يميز كتابات ريڤر بيند كما اعتقد متابعيها إضافة الى بساطتها وصدقها وأسلوبها المكثف الموحي ، هو معرفتها الكاملة بالعقلية الغربية فهي تخاطب الغرب بما يعرفونه ويفهمونه ، وهكذا إنتشرت بينهم مثل النار في حريق بغداد .
قدمت هذه العراقية المجهولة ،خدمة عظيمة لأبناء الوطن ، حيث أسمعت صوتهم في الوقت الذي أصبحوا فيه مجرد " أرقام " قتلى ومعتقلين ومشردين ، فقد قامت وهي جالسة في بيتها بعمل مؤسسة إعلامية كاملة ، وكما كتبوا عنها في موقع أمازون العالمي لبيع الكتب : ( لقد أعطت وجها للضحايا العراقيين وفضحت جرائم حرب احتلال العراق ، أليست مفارقة ؟ في حين إنها شابة وامرأة لم ير أحد وجهها ! ) .
عندما سئلت مرة على موقعها : ولكن هناك عراقيين ويتعاونون مع الإحتلال الأميركي .. أجابت : ليس كل من يولد في الأصطبل يصبح حصانا .. ونحن أيضا نسأل ، هل يمكن أن يقهر شعب ينجب فتاة بهذا القلب الذكي المرح الشجاع ؟؟