الفراسة
2022/01/19
 
236

بقلم القاضي المتقاعد حسن حسين جواد الحميري
الفراسة تعني الاستدلال بالعلامات الظاهرة لجسم الإنسان على بواطن اعماقه واخلاقه.. تفاعل الإنسان مع بىئتة المحيطة لايترك اثارا ظاهرة على اعضائة الخارجية التي هي في تماس عياني ومباشر مع مايحط بيها وإنما هذا التفاعل يمتد لأبعد من ذلك كون يترك اثره في نفسيته وميوله وعاداته  متمثلة في خطوط وتجعدات وأثار واضحة وبينة لاتمحوها السنين.. هذا الفن  اي فن الفراسة كان معروفا من زمن الغريق وربما ابعد من ذلك، ينسب للفيلسوف اليوناني ارسطو وهو يحدد أخلاقية احد الملوك من خلال صورة لذلك الملك لم يعرف انه ملكا وما كان من الملك الا الإقرار بما حدده ذلك الفيلسوف الذي كانت تلك الصفة متوفرة فيه الا انه كان كان يقاومها.. وفي ثقافتنا الاسلامية ورد في  الاثر اتقو فراسة المؤمن كونه( يرى بنور ربه).. ان معرفة ما يمكن ان تدل  وتخبر به الصفات الجسمية على مايمكن ان يصدر من سلوكيات سلبية او ايجابية عن حاملها تستوجب وبحسب خبرتي المتواضعة في هذا المجال كثرة الاختلاط والسفر ومعايشة مختلف المجتمعات والبيئات وملاحظة الهيئات والالوان والقدود والاطوال والاوزان وتناسق الاعضاء المختلفة وكبر العيون وصغرها وطول الحاجبان وقصرهما واستقامتهما وتقعرهما وتهدل الاذان او ارتفاعها ورقة الرقبه او ضعفها وطول اليد او قصرها ولون الشعر أسودا او اشقرا وكونه مرسلا او اجعدا  وغلظ الشفتين او رقتهما واتساع الفم وصغره واتساع المنخرين او عدم ذالك وطول الأنف وقصره وعرض الوجه وطوله وضخامة الفكين او الذقن ونتوء الوجنتين من عدمه او غير ذلك من الصفات.. أخذ علم الفراسة حيزا كبيرا من تفكير المجتمع العربي الإسلامي في القرن الثالث الهجري.. واخذ يظهر على الساحة الاجتماعية طبقة المتفرسين الذين في اغلبهم لم يراعوا الخصوصية للمتفرس فيهم فهم يذيعون مايتوصلون اليه عنهم أمام الناس ممايسبب حرجا اجتماعيا كبيرا لهم الأمر الذي دعا بعض الفقهاء بالافتاء ببطلان عمل الفراسه.. إلا أن الإمام محمد ابن إدريس الشافعي الذي تميز بذكائه المفرط اخذ على عاتقة دراسة هذا الموضوع بصورة شخصية وقرر السفر من مقر سكنه في المدينة المنورة إلى اليمن للإطلاع على هذا الموضوع من خلال الكتب واستنساخها او شرائها وبقي لهذا الغرض ثلاث سنوات في اليمن وهناك من قال انه أقام لمدة ستة أشهر  وبعد أن وجد نفسه قد جمع واستنسخ تلك الكتب التي تبحث في هذا الموضوع وعند محاوله عودته الي مقر سكنه في الحجاز وكان بصحبة غلامة وعندما كان في الطريق قبل يغادر اليمن شاهد رجلا في الطريق  وكان ذو جبهة ناتئة وعينان زرقاوان وذقنة بدون شعر  فسأله فيما اذا كان هناك مكان للمبيت فاجابه نعم وكانت معلومات الفراسه التي استقاها الشافعي عن مثل هذا الرجل الذي يتصف بهذه الأوصاف انه بخيل فاضمر ذلك في نفسة، ثم لاحظ ان هذا الرجل يأمر له بطعام ووفراش  ولحاف للمنام وعلف لدابته.. فبقي الشافعي في دار هذا الرجل ثلاثة أيام وهو قائم بواجب الضيافة احسن قيام على عادة العرب كونهم يقومون باكرام الضيف لثلاث ايام متوالية.. بعد انتهاء الثلاثة الايام قرر الشافعي المغادرة وطلب من غلامة ان يعد دابته للسفر ومن ثم المرور على هذا الشخص المضيف.. فلما أصبح أمامه قال له اني اشكرك على كرم الضيافة واذا قدمت الي المدينة فاسأل عن دار محمد ابن إدريس الشافعي حتى اقوم هناك بواجب خدمتك ورد الجميل الا ان المضيف رد على الشافعي بقوله هل انا خادم لدى ابيك فقال الشافعي لا ثم قال الرجل هل لك على نعمة فقال له الشافعي لا،فقال له اعطني اجر الاكل ثلاثة دراهم وعلف دابتك درهمان وأجر فراشك ولحافك ثلاثة دراهم فقال الشافعي لغلامه ادفع المبلغ له ثم قال الرجل للشافعي وأن قد ضيقت على نفسي وو سعت لك حيث ترك عيالي لك الغرفه الكبيرة فنمت انت بها ونحن سكنا في الغرفه الصغيرة فاستحق علية اجر ثلاثة دراهم فقال الشافعي لغلامه ادفع له .. وكان الشافعي قد ترك في الدار كتب الفراسة التي استنسخها اوكتبها إذ قرر  تركها وحرقها بعد أن شاهد كرم صاحب الدار فاعتقد عدم صحة مايقال به من الفراسة ولكن بعد أن ظهرت شخصية المضيف صاحب الدار على حقيقتها عاد اليها وحزمها وهو فرحا لعدم اتلافها وكون سفرته تكللت بالنجاح وعاد الي المدينة وأخبر أهلها بصحة الفراسة ولكن طلب من المتفرسين ان لايكون الاخبار بنتيجة الفراسة امام العامة... هذا الموضوع الطريف آثار اهتمامي وودت عرضه على انظاركم المحترمة...
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟