
صادق السامرائي
عندما زرت دول أوربا الشرقية ذهلتُ بما شاهدتُ من معالم وحالات متطورة ومعاصرة وبُنى تحتية متواكبة مع زمانها, فالمدن حديثة ومدهشة.
وحضر سؤال لماذا لم تفعل الأحزاب الشيوعية في الدول العربية ما فعلته في دول أوربا الشرقية؟
ونهضت أجوبة متعددة , لكن جوهر الجواب الذي بدى مفتاح الوجيع والفشل , الذي أصاب أحزاب العرب الشيوعية , يمكن إختصاره بعدم فهم الفكرة , بل وتشويهها , وعجز القيادات عن تطبيعها مع الواقع العربي.
قد يقول قائل إنه الدين , والمجتمعات التي إنطلقت فيها الشيوعية ذات أديان , وما تعارض ذلك مع ما ذهبت إليه وأنجزته , لأنها طوَّعت فكرها للواقع الذي أرادت أن تتمثل فيه , فهل يكره صاحب أي دين , توفير السكن اللائق والعمل والرعاية الصحية والإجتماعية , وتأسيس الصناعات والإنتاجية العالية , وغيرها من الخدمات التي تحافظ على قيمة وسلامة المواطن؟
فالعرب إعتدَوا على الشيوعية , وقاتلوها وفي مقدمتهم المدَّعون بها , وبسبب جهلهم لجوهرها وعدم قدرتهم على إستثمارها واقعيا , تحوّلوا كغيرهم إلى مناضلين من أجل الكراسي , مما تسبب بتصارعات قاسية ودامية مع الآخرين الساعين إليها .
كما أن دعوتهم المنقطعة عن الواقع ألّبت عليهم الذين أشاعوا أنها ضد الدين , وتدعو للكفر والإلحاد , وما إستطاعوا أن ينتصروا على ما أحيط بهم من التوصيفات السلبية , بل تفاعلوا معها على أنها صفاتهم , وهم الذين يجاهدون في تأكيدها وتعزيز طروحاتهم.
وكان قادتهم يزورون الدول الشيوعية ولا يفقهون ما يتحقق في ديارها , ويتندرون في أحاديثهم على ما يشاهدونه من تقدم ورخاء بقول بعضهم ” إنها برجوازية لا إشتراكية” , ولهذا تجد العديد من الحركات والأحزاب رفعت شعارات “الإشتراكية” , وفهمتها على أنها إفقار الشعب , ومساواته بالقحط والحرمان , وما فكرت بالرفاهية والتقدم العلمي والبناء بأنواعه.
الإشتراكية التي لا تزال غير مفهومة في الواقع العربي , حولت العراق من بلد يصدر المحاصيل الزراعية إلى مستورد لها , وأبادت النتخيل وبوَّرت الأراضي , ومصر التي كانت الأولى في جودة قطنها حولتها إلى دولة متأخرة بإنتاجه , ولا تطعم نفسها.
اما في اليمن فتأسست دولة على أنها شيوعية , وما قدمت مثلا إيحابيا يُحتذى به , بل وما إستطاعت أن تنجز نسبة ضئيلة مما أنجزته الشيوعية في أي دولة بأوربا الشرقية.
وهكذا فالعلة ليست بالفكر الشيوعي وإنما بالذين لم يستوعبوه ويتمثلوه , ولم يؤسسوا لمنطلقات عملية تعبر عنه , فخاضوا غمار التفاعلات الإتلافية مع باقي القوى والأحزاب والحركات المعززة بالقوى المناهضة لها آنذاك , وما عرفوا مواضع خطاهم , وتوهموا بأن حياتهم يجسدها الكرسي وحسب.
فكان الذي كان , وتداعى الأبرياء في مدن الأحزان والعدوان!!
فلماذا لم يكن الحال أحسن مما كان؟!!