قصة الخروف المؤمن
2021/10/20
 
956

عدنان شاكر 

قبل خمسة قرون روى الطبيب والكاتب الفرنسى فرانسوا رابليه ، قصة رجل يدعى ( بانوك ) كان في رحلة بحرية على متن سفينة تجارية وكان على نفس السفينة تاجر الأغنام ( دندونو ) ومعه قطيع من الاغنام المنقولة لغرض بيعها ، وكان دندونو تاجرا جشعا لا يعرف الرحمة والشفقة بحيث وصفه الكاتب بأنه يمثل أسوأ ما بهذا العصر وهو غياب الانسانية . وحدث أن تشاجر بانوك مع التاجر دندونو على ظهر المركب ، وبعدها قرر أن ينتقم من التاجر الجشع ، فقام بشراء الخروف الأكبر من التاجر بسعر عالٍ وسط سعادة التاجر بالثمن . وفي مشهد غريب يمسك "بانوك" بالخروف من قرنيه ويجره بقوة إلى طرف السفينه ثم يلقي به إلى البحر ، فما كان من أحد الخرفان إلاّ أنْ تبع خطى الخروف الغريق ليلقى مصيره ، ليلحقه الثاني فالثالث فالرابع وسط ذهول التاجر وصدمته ، ثم اصطفت الخرفان الباقية في طابور مهيب لتمارس دورها في القفز . 
جن جنون تاجر الاغنام "دندونو" وهو يحاول منع القطيع من القفز بالماء ، لكن محاولاته كلها باءت بالفشل ، فقد كان ( إيمان ) الخرفان بما يفعلونه على قدر من الرسوخ أكبر من أن يُقاوم . وبدافع قوي من الجشع اندفع "دندونو" للإمساك بآخر الخرفان الأحياء آملا في إنقاذه من مصيره المحتوم ، إلّا أن الخروف ( المؤمن ) كان مصراً على الانسياق وراء الخرفان ، فسقط كلاهما في الماء ليموتا غرقا معًا . ومن هذه القصة صار تعبير خرفان بانوك مصطلحاً شائعًا في اللغة الفرنسية ، وهذا يعني انسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء أفكار أو أفعال الآخرين . ومن هذا الجانب يمكن اعتبار مصطلح ثقافة القطيع المتداول في البحوث والدراسات والكتابات الحديثة هو التسمية الجديدة التي أطلقها علماء الاجتماع وأطباء النفس على مصطلح خرفان بانوك .
ثقافة القطيع هي السائدة اليوم في مجتمعاتنا العربية عمومًا ، ومجتمعنا العراقي خصوصًا الذي سلم فيه الانسان عقله للآخرين ( رجال الدين والسياسة ) ليفكروا عنه ويقودوه الى حيث يريدون . وللأسف ينساق الكثير من الناس في مجتمعنا إلى إيقاف عقولهم عن التفكير والتدبر واختاروا ان يكونوا على هامش الحياة . 
لقد وهب الله لكل انسان عقلا ليفكر به ويميز بين الأشياء ويختار ما هو مقتنع به عن وعي وادراك . فلا تسمح للغير في التفكير واتخاذ القرار نيابة عنك ، لأنك بهذا تصبح عبداً لهم . فالعبودية ليست قيود توضع في اليدين أو جسدًا في زنزانة ، انما العبودية الحقيقية أن يستسلم عقلك للآخر ين فلا تعود تملكه .
إن الإنسان لا يمكن أن يصلح ذاته ويتذوق طعم الحرية والكرامة الإنسانية طالما كان سلوكه في الحياة يجري بموجب طرق وأساليب محددة سلفا من قبل الآخرين ، أي بمعنى أن يختار هو شخصيا أسلوب حياته بوعي وحرية ، ودون وصاية من أحد ، مع الالتزام بمبدأ التسامح وقبول الآخر .
ختامًا وأنت تقرأ قصة خرفان بانوك ، عليك أن لا تتنازل عن عقلك وإرادتك ولا تتبع القطيع ففي النهاية هدف الراعي هو التجارة .

234

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟