(( الديمقراطية ..والستر والعافية ..!!))
2021/09/15
 
1687

 ا.د مزهر الخفاجي



المتن التاريخي يخبرنا ان العقلاء من سومريي العراق وبحدود(٢٤٠٠ق.م ) انشغلوا في تأطير فكرة الديمقراطية البدائية في دولتهم القديمة والتي أوجبت على الحاكم أن لايتخذ قرارات الحرب او مايهدد مدينتهم إلا بالرجوع الى مجلس (الشيبو) الحكماء من الشيوخ ….
وهو تقيد لأستغلال الحاكم للسلطة الممنوحة له في الاعتداء على الاخر …دون مراعاة حق الجماعة في التصويت على مايزعزع سلمها المجتمعي وربما ذهبت شريعة اوركاجينا احد المصلحين السومريين واحد حكماء مدينة (لجش) …وتعد شريعته كذلك من اهم وثائق تنظيم الحريات وحقوق الانسان ورفع المظالم عن الضعفاء والفقراء  من ابناء الشعب وفقرائه تحديداً …بعد ان قضى على الامتيازات التي كان يتسم بها كهنة وساسة وحكام سومر ، وكذلك إبتزازهم  الفقراء لدفع الاموال لهم …
إن السرد التاريخي لمشهد الألم واظلم وغياب فكرة العدل في المجتمع العراقي القديم 
 جعل كثير من ابناء مدن سومر ،  يثبتون مقدار الظلم وسلب حرياتهم فسارعوا للأعتراض فكانوا يكتبون على جدران بيوتهم او في مذكراتهم او في العديد من أمثالهم الشعبية مايجسد رفضهم للظلم وسلب الحرية ، منها :
خير للفقير ان يموت من أن يعيش …
فاذا حصل (الفقير) على الخبز…عدم الملح 
وأذا حصل على الملح ….عدم الخبز
واذا كان لديه اللحم …فيكون قد فقد العمل ..

*( كريمر /الواح سومر ) .

ملامح هذا الصراع الاجتماعي والاقتصادي بين الفرد ودولته وبين الفرد ومجتمعه هو الذي جعل الحكام  العراقيين ينظمون هذه العلاقات وعلاقة الفرد مع الفرد ونظام المعاملات الاقتصادية البسيط عبر سلسلة من التشريعات والقوانين التي انتهت بقانون حمورابي (١٧٩٢-١٧٥٠ق.م) هذهِ التشريعات قد وفرت شكلاً من اشكال الاستقرار او قولوا العيش المستور …
وهكذا فعلت الاغريق وقد نجح كل من الفيلسوف (افلاطون وارسطو )في تأطير شكل دولتهم الفاضلة وتنظيم السلطة والفضيلة بين الدولة او الاستقرار وقد قدم افلاطون وتلميذه ارسطو ( صورة مثلى لمدينتهم الفاضلة وإن كانت تمتاز بالصرامة) .

وكذلك نظر ابن خلدون (٨٠٨ هـ) في التنظير لعلاقة الدولة او السلطة في مجتمعها …. والملاحظ ان ابن خلدون والذي نظر لقوة السلطة والحريات الاجتماعية فيها …فذهب الى القول :في ان  العصبة القبلية كأساس لتكوين الدولة وكدافع لنشأتها وكعامل من عوامل ازدهارها …وذهب في تأطير الربط بين الاقتصاد والسياسة إذ قال : ان استقرار قوة الدولة مرهون بقوة عيش افرادها وهو مااعتمد عليه ، (ميكافيلي) فيما بعد …
وحينما نصل الى فترة ظهور الأسلام …نرى ان الاسلام إشترط في استمرار دولة العدل …المحافظة على تطبيق القانون السماوي والذي هو جوهر العدل … كما ضمن الأسلام حريات الافراد …وجعلها اساس لحفظ  حقوق  المواطن …
وهي قد تصادمت مع المبادئ التي سارت عليها الديمقراطيات الأخرى …
وان من يدقق دوافع الثورة الفرنسية والثورة الإمريكية فقد اعتمدت على مبادئ ثلاثة :
١-الدفاع عن حرية الفرد في إبداء رأيه 
٢-حريته في الملكية 
٣-حريته في العقيدة 

ان المبادئ التي قررها فلاسفة التنوير ودعاته أمثال (جون لوك ، وفولتير ، روسوو ، ومونتسيكيو ) 
أن الحرية والمعبر عنها بتجربة الديمقراطية ، في التداول السلمي للسلطة وان الديمقراطية تشترط تحديد هوية الدولة واستراتيجياتها في بناء الفرد وتكريس مفهوم المواطنة فيها ….
وان الديمقراطية الحقة تقتضي جاهزية الدولة ومؤسساتها (التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) كما قال (هامبراس) …في توفير وتهيئة بيئة مجتمعية وسياسية وثقافية لممارسة الافراد لحقهم في اختيار من يمثلهم …
ان الديمقراطية تستلزم من الافراد وعي في ممارسة حق التعبير عن حرياتهم … وهذا الأمر يستلزم جاهزية الافراد او الجماهير في ممارسة حقهم في استثمار حق الحرية في اختيار من يمثله  …هذا الحق مرهون بقدرة الدولة على بذل جهودها في المحافظة على واجبها في إقامة العدل وتطبيق قوانينها ومحافظتها على السلم الأهلي ….
إن الديمقراطية تستلزم شرط توفير الحدود الدنيا في تحصين افرادها للحد من إستغلال البطالة ونسبة الفقر التي بلغت اكثر من ٢٢-٢٨٪ في مجتمعنا ، والديمقراطية تستلزم تفعيل الوعي او استنهاضه ، فكيف ستكون طبيعة وشكل الديمقراطية في ظل أمية مجتمع بلغت نسبته ١٨٪ من نسبة شعبه .
والديمقراطية قد تتعرض الى تشوهات جينية …
حيث تتدخل اقطاعيات تاريخية في حسم ثلاثية الاقطاعية (القبلية والدينية والالولغاركية) وفي حسم نتائجها ….حين يسقط شرط الاختيار الواعي الذي يعبر عنه ب(الحرية الواعية) …
إن الديمقراطية التي لاتوفر رغيف خبز او فرصة عمل مناسبة او أمناً مجتمعياً او حياة كريمة وتضمن الستر والعافية لأبنائها ….
تصبح واحدة من اثنين ، وصفة علاج غير صالحة لشعب مليئ بالأمراض ، او وجبة أفطار غير ناضجة الطبخ يُجبر الناس على تناولها …. وبذلك يسقط مبرر وجودها .
إن أحلام الناس في الحرية وان واحد من تمظهراتها نقص الديمقراطية في نظام الحكم وفي التداول السلمي للسلطة بالشكل الذي عاشه ملايين العراقيين خلال السنوات المنصرمة  ….جعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما :أن يديرون ظهورهم وعقولهم وأمانيهم للديمقراطية… أو أن يدمنوا شكلاً بائساً من أشكال الحريات الباليه …وفي الحالتين فينطبق على ديمقراطيتنا المثل المشهور أنها …لاتغني عن فقر …ولا تسمن من جوع …فيحُن  الناس 
 باللاوعي نحو ابجدية حرية أسلافهم التي كانت ترفع شعار (أن بقاء أوطاننا كريمة قد يجعلنا نَحنُ الى الستر  والعافية)  كأكسيراً مضاد للحرية التي اصبحت وبال ….والديمقراطية التي قد تفرط بأوطاننا
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟