العفو العام خيار الهي وتراحمٌ اهلي
2021/09/05
 
1641
القاضي المتقاعد حسن حسين جواد الحميري

الملوك والامراء الاقدمون عرفوا (العفو ) إذ احسوا اهميته ومارسوه وكان يعني غض نظر السلطان عمن اساء اليه أو الى حقه بعد سجنه اقل من الفترة المحددة او قبل ذاك بان يقع الفعل المنهى عنه ولايتخذ بحق صاحبه اي اجراء عقابي باشكاله المتنوعة المختلفة من تغريم او تقييد للحرية او ايقاع العقوبات البدنية على الجاني من ضرب بالسوط وصولا الى الصلب والاعدام ، بل ربما اكرم الملك المسيء اليه بمال او منصب قريب منه او تحت رقابته ليشعر المسيء بعظم اساءته محاولا تقديم ولاءه الكبير للسلطان صاحب العرفان المحسن اليه والعافي عنه محاولا ان يبرهن له انه اصبح في حالة توادد وتواؤم وحب معه وربما كانت نفسه دون نفس ذلك السلطان صونا وحفظا له عند تعرضه لمداهمة او خطر ، مما يعود بالسلام والوئام على السلطان وشعبه .
والان في العصر الحديث اثبتت السياسات والدراسات العلمية الجنائية ضرورة التصالح والتصافح بين افراد المجتمع في بعض أنواع الجرائم بعد ان تاكد زيادة الجريمة بزيادة العقوبة فانتهت المجتمعات الغربية الراقية تحت تاثير ذلك الى الغاء عقوبة الاعدام في بعض الدول منها ، وابتداءا كان هناك التصالح الخاص بين الأفراد  اذ يمكن للفرد المتضرر من الجريمة ان يتنازل عن حقه القانوني سواء كان جنائيا او ماليا لصالح خصمه محدث الضرر ومسببه فتنشأ غمام السلام والمحبة والوئام لتظل ربوع الوطن ولتطفأ نار الافئدة المتخاصمة بماء الصفاء ، ولربما كان الضرر فادحا وكبيرا بان مس عدد كبير من افراد المجتمع كما في حالة جرائم القصاص في الشريعة الاسلامية او الجرائم المتعلقة بالايذاء الجسدي او بحق الحياة او بالاموال الخاصة عدا تلك المتعلقة بالفساد الاداري والمالي، في حالة  الاعتداء على المال الخاص لمن له الولاية من رئيس دولة او برلمان او من يقوم مقامهما باعتبارهما نائبين عن المجتمع وفي حالة ملاحظتهما ان المسيء او الجاني قد ردعته العقوبة واصلحته فلولي الامر هذا ان يعفو عما بقي منها ليندمج من انحرف عن جادة مجتمعه به مجددا . هذا الامر معمول به في دول كثيرة وقد لاحظته في المانيا الاتحادية فيترك امر تنفيذ العقوبة بيد القاضي حتى النهاية وليس الى جهة اخرى كوزارة العدل او ما اشبه فاذا ما شاهد ذلك القاضي تحسنا في سلوك الجاني الذي  اودعه المصحة الاجتماعية (السجن ) واطمئن لذلك اطلق سراحه . الغاية من العقوبة في المجتمعات الحديثة ليست انتقام المجتمع من ابنائه بل تقويمهم واصلاحهم ليعودوا اليه راشدين نافعين . وماهو جدير بالذكر ان كافة الاديان السماوية قد حبذت العفو والاحسان وشجعت واثابت عليهما ، كما ان العفو احد اسماء الله الحسنى . ان من صدر بحقه حكما بالحبس او السجن يكون قد حصلت لديه الصدمة وعاد الى رشده بعد غيه وابدى اسفه وندمه سرا وجهرا فلا يمنع من شموله بالعفو عن باقي محكوميته ان امضى من مدتها النصف مثلا واكدت تقارير مؤسسة الاصلاح القابع فيها حسن سلوكه وتصرفه ووضوح استقامته ، اما المجرم العائد او المختلس او الذي شاب عمله فساد اداري او مالي فامره ان يبقى رهين محبسه في السجن حتى يعيد الاموال التي استولى عليها وبعد اخذه قسطا وافيا من تقييد الحرية ليؤثر عميقا في نفسه وليرى من خلال ذلك ضآلة فائدة ما انتفعه واكتسبه من المال العام تجاه هذا العذاب الروحي الذي لازال فية.....
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟