ليتني ( رقاصة ) يا امي !
2021/04/27
 
133

حسين الذكر

 

 

ان التغييرات الأخلاقية الظاهرة بشكل جلي على سلوكيات شرائح مجتمعية عديدة سيما فئة الشباب الأكثر تعرض لوسائل التواصل منهم ، يعد شيئا منطقيا ينسجم مع حتمية دورانية الحياة عامة وما تعلق منها بتاثيرات مواقع التواصل واخلاقيات العولمة بشكل خاص .. لذا اصبحنا نسمع ونقرا عن تصاعد ملحوظ في إحصاءات الشذوذ التربوي والاختلال الاسري الذي بدت الاسرة تشكوا صراحة من جفاء وصد – اقل ما يمكن القول عنه – من أبنائهم ..

قرات بوستات وتعليقات مؤلمة للاباء والامهات وهم يعبرون عما اوقعهم فيه أبنائهم .. احد الأساتذة الجامعيين في الخليج العربي سافر صحبة زوجته لرؤية ولده الذي يدرس في اميركا على نفقة والديه الذين قدموا ما في وسعهم لاسعاد ابنهم الوحيد متحملين ارهاق مرتباتهم التقاعدية .. لكنه تصرف بجفاء ورفض مقابلتهم بعد معاناة وتكاليف السفر الباهظة في ظل كورونا فعادوا بشق جيوب الحسرة وللسماء نظرة .. فيما كتبت طبيبة عاتبا على ابنتها المحامية في اوربا ي لم ترد على سلام أمها  حتى عبر وسائل التواصل الا ما ندؤر وحسب المزاج وما يشكله من الم نفسي لدى الوالدة وما ينبئ عن مستقبل خطير .. كذلك قرات ان احد الأستاذة في المغرب العربي رجى ولده الجامعي للتدخل لاقناع امه كي لاتتطلق .. لكنه صعق من لا مبالاة وسخرية ابنه الذي غادر المكان مكتفيا بكلمة ( كنسل ) .. فيما كتب مدرس انه ناقش أولاده عن حاله وصعوبة العيش وضرورة مساعدته لتحمل أعباء الحياة لكن أولاده اجابوه بدم بارد : ( هاجر احسن لك ولنا ) .

جراء الظروف الصعبة التي يعانيها بعض العرب خصوصا في البلدان كثيفة السكان سيما أيام كورونا وارتفاع الأسعار وتداعيات الحروب والحصار والتهجير والتطرف والمد الإرهابي الميداني او الإعلامي .. كتب احد الموظفين الذي نال شهادة عليا في الهندسة ودرس وتعب وعاش طوال حياته ملتزم بالمباديء والاخلاق متحليا بالحس الوطني المسؤول .. لكنه لم يستطع اأيجاد وظيفة لبناته الثلاث بعد اكمالهن الدراسة الجامعية بتفوق علمي وسلوك أخلاقي حسن .. حتى اصبحن كل يوم يجلدن والدهن بنظرة عتاب وان كانت صامتة او ايماءات مبطنة بشكل يأجج النار في دواخله .. في وقت ان جارته العاملة في احدى المقاهي الليلة حصلت لاولادها وظائف جيدة بمرتبات مناسبة برغم تدني تحصيلهم العلمي ..

قرات يوما عمودا صحفيا احزنني بعد ان ادمع حبر قلم الدكتورة الفلسطينية العاملة في احدى مستشفيات الدول الثرية العربية تحدثت عن سوء حالها الذي بلغته جراء خدمة خمسة وعشرين سنة ممارسة مهنة الطب في المشفيات الرسمية دون التمكن من توفير مستوى معاشي لائق بها وأولادها الخمسة جراء ارتفاع غلاء الأسعار وتكاليف الخدمات .. فضلا عن عدم شعورها بالراحة لما تقدمه من جهد يومي تراكمي مندوام متعاقب يولد تعب وعدم إحساس بالوقت سمته ( زي الثور الي يدور في الساقية ) مع ما يخلفه الدوام المستمر من مضايقات وشكاوى مراجعين وارهاق نفسي  لا يحتمل ... حتى انها وقفت مرة امام أمها المتقاعدة كاستاذة جامعية وقد ما زحتها قائلة .. ليتك جعلتيني راقصة يا امي .. ضحكت العجوز مليء شدقيها ثم ادمعت كزخ مطر صاقع : ( رحم الله ابيك .. كان يغار علي وعليكن ويعد الرقص رزق منقطع .. فيما قضى عمره وصرف جل جهده كي تصبحن نخب مجتمعية ) .. تمتمة الطبيبة تطبب دواخلها قائلة : ( ان للناس حظوظ  يا امي ) .

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟