المَهْجَر وصَخَبْ ذِكريات الأماكِن
2021/03/02
 
415
عدنان شاكر

تمطر سُحُب الزمن على جدران الحياة .. تهطل الأمطار  وتأخذ معها الكثير من الألوان .. لكن تبقى النقوش على جدار الذاكرة تُعانِق مشاعر الحنين للأماكن التي جايلناها طِيلة رحلة العمر تَفيّضُ بالوجدان حَدْ الصَخَب  والهَذَيان . 
في المهجر حيث يوقف صراع المحارب في داخلك وتَنْعَطِف حياتك لطرقات لم تألفها من قبل ، تكتشف أحلام مختلفة وعوالم مختلفة ، وأن الدنيا أكثر جمالاً مما رأينا ، وكأن الكون الكبير يحبنا جميعاً على قدم المساواة . لذلك يُخْطِأ من يَظُنُّ أن مجرد العودة للأماكن سيطفىء الحنين ، لأنه حنين للناس والظروف والمواقف والأشياء التي اجتمعت في تلك الأماكن . 
وفي المهجر أيضا تَصْحّو من رقادها كل الأحزان لتعبث داخل النفس بكل حمولتها ، مُثْقِلَة من جديد العقل المُسَهَد  بالمعنى المخادع للبُعْد والمسافات . ذلك المعنى الذي عَلَمَنا كيف نَغْفّو على وسادة الماضي لِنَغُطَ في سبات عميق .. المعنى الذي قدم لنا عذراً لمخاصمة الحياة وجلد الذات ، والإستمتاع بأدبيات المظلوم . المعنى الذي أَسْقَطَّنا في فراغ الوطن الذي يتقدم على المواطن ويتفوق على الإنسانية .. الوطن الذي علينا أن نتحمل كل أنواع التنكيل والعذاب التي يُنْزُلُها بنا ، فهو مقدس حتى لو صادر آدميتنا وأهاننا وأذَلَنا ليل نهار  .. وإن مسقط الرأس غالٍ  حتى لو جَزَّ رقابنا ، لِتَظَّلَ حناجرنا تصدح طوال السنين  بشعار " بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة " ، لنساهم بأريحية وغباء في خلق الدولة المُسْتَبِدَة على مدى العصور  .. فنحن للأسف ورثة أجيال كان وما زال مشعل المعرفة وضوء اليقين يمثل لديها مغامرة تَحُفُّها المخاطر  وسوء العاقبة .. أجيال بعد أجيال أدمنت الظلام وأرقها وجود حياة خارج ظلمات القبور التي يسكنها لصوص الله ، فاستمر تاريخنا طافح بالنكبات والفواجع ، ومعه سيستمر الضجيج وصخب ذكريات الأماكن داخل النفوس المهاجرة .
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟