هزلت؛ فسامتها رغد !
2021/02/20
 
182

ابراهيم احمد

 

ليس مستغربا أن تثير المقابلة التي أجرتها  قناة العربية مع رغد صدام حسين جدلا كبيرا بين الناس، ويطغى قسم كبير منه على مواقع التواصل الاجتماعي! وإن تفاوتت انعكاساتها عمقا وتوترا بين جيل الشيوخ والكهول وقد ذكرتهم بحقب الآلام  والإضطهاد والخوف والجوع والمعاناة الطويلة التي عاشوها تحت الظل الثقيل لوالدها، عن جيل الشباب خاصة اليافعين منهم! فالمليشيات الموالية لإيران بممارساتها الدموية القذرة جعلت بعضهم مستعداً لاستدعاء بطل من التاريخ وقف بوجه ملالي إيران وانتصر عليهم ولجمهم  وأذلهم! ولشدة عتمة الواقع الحالي صار مستعداً  لإسقاط كل سيئات صدام وإعادة صنعه وتلميعه وجعله بطله المنشود!

لو أن المقابلة اقتصرت على حياة رغد الحالية ومعاناتها أو شئونها العائلية والاجتماعية الخاصة بعد ما جرى لها وزوجها وأبنائها؛ لنظرنا إليها وفق جوانبها الإنسانية أو الأدبية والتراجيدية، بل ربما حصدت بعض التعاطف حتى ممن يكرهون والدها، ويلعنون عهده! ولكن هذه المرأة لم تخف أنها قادمة لتبشر بمشروع سياسي لها ستخوضه الآن أو قريبا، وهذا الأمر يقتضي نظرة أخرى! طبعا هي كمواطنة عراقية يحق لها خوض غمار السياسة في بلدها، ولكن أي غمار سياسي وكيف؟ طيلة أجزاء المقابلة الطويلة المرتبكة وغير المتقنة هي ليس فقط لم تقدم ولو نأمة اعتذار للشعب العراقي عما فعله والدها في عقود حكمه الطويلة والمريرة، أو تبدي أسفا لأحزان العراقيين ومآسيهم التي سببها لهم؛ بل هي زعمت أن والدها لا يحب الدم،(وهو الذي كرع منه أكثر مما كرع الحوت من ماء البحر) ، وإنه وثلته الخانعة المتوحشة كانوا عمالقة وأسيادا كباراً،  وصانعي أمجاد وبناة وليسوا قتلة أو قساة أو مشعلي حروب، ومنفذي خطط قمع وإرهاب وتدمير لا مثيل لهم على مر العصور! وامرأة بهذه الذهنية لا تصلح لخوض غمار السياسة، لا في هذا العهد التعيس أيضا، ولا في أي عهد! بل ينبغي وفق قانون يمنع عودة الدكتاتورية محاسبتها على طروحات كهذه إذا انتقلت إلى طور العمل والتنفيذ! لو تصورنا أن أبناء مفترضين لهتلر أو موسليني يظهرون اليوم في ألمانيا أو ايطاليا لا نابذين للنازية أو الفاشية أو معتذرين لضحاياها بل مبشرين بها؛ كيف ستعاملهم القوانين هناك؟  حتما سيحاكون ويمنعون أو يعاقبون! رغد لا تريد أن تقتنع أو تعرف أن أباها كان دكتاتورا، وطاغية استثنائيا تفنن في تدمير أرواح الناس وحياتهم وحقهم في الحرية والكرامة! وإنه لا قانون لديه غير قانون الموت والإذلال وسحق المعارضين، وإنه لم يكن يطيق سماع شيء اسمه الديمقراطية أو الرأي الآخر أو حتى نقاشا بسيطا! فسحق الأحزاب الوطنية والجمعيات بل حتى المعارضين والمتذمرين داخل حزبه! وإنه بانفراده في السلطة استنزف مقدرات الناس في مغامراته وجر البلاد إلى حروب فقدت فيها الملايين من أبنائها ومنيت بكوارث وويلات لا تزال تعاني منها وحتى أزمان قادمة!  رغد حتى الآن لم تسمع بذلك، ولا تزال مأخوذة بالعزة في الإثم مشبعة بشحنات الغرور التي كونت شخصية والدها وجعلته يستحوذ على كل شيء! وبذا فلا يمكن لكل ذي حس وطني إلا أن يرفضها  ويتصدى لها في محاولتها إعادة صنع عهد والدها حتى لو جاء بصيغة أنثوية مزوقة بكل أدوات التجميل!

ولكن ما الذي دفع قناة العربية لإجراء هذه المقابلة؟ أهي رسالة خاصة لا علاقة لها بالعراق وإنما هي تتعلق بتزايد النفوذ الإيراني في اليمن ولبنان وسوريا وغزة من أجل إثارة مشاعر عرب ومسلمين كثر لا زالوا يرون بصدام القائد الذي هزم الخميني وجرعه كأس السم؟! ثمة من يرى غير ذك ويقول أنها مجرد إعلان انتخابي مبكر مدفوع الأجر تستطيع رغد دفع تكاليفه الباهظة  مما لا يزال بحوزتها من أموال الشعب العراقي.  لكن آخرين يراها حسابات تتعلق بالصراع مع إيران، وعملائها في العراق أكثر من بلدان المنطقة الأخرى ، ويقول أن العربية  أخطأت في حسابها،لأنها ستدفع كثيرين للعودة إلى دعم الحكام الطائفيين بعد أن غسلوا أيديهم من قذاراتهم، بينما يقول آخرون على العكس أن المقابلة ستشجع الكثيرين على الابتعاد عن الطائفيين وقد وجدوا بمشروع رغد تهديدا جديا لعملاء إيران خاصة إذا اخترعوا له، أو توهموا أن رغد ما كانت لتظهر بكل هذا الحجم التلفزيوني لولا وجود مخطط أمريكي وراءها، وإن رغد قادمة وخلفها المستر بايدن! لكن ثمة من أمثالنا ممن التهم والدها زهوة أعمارهم، وشردهم في الداخل والخارج يقول أن انبعاث رغد في هذه الأيام وظهورها كالمومياء المرقعة المزوقة هو دليل على مدى انهيار وهوان الأوضاع في بلادنا وانحدارها إلى حد صار يصلح لرغد وأمثالها أن تأتي وتدلي فيه بدلوها!

 الآن قمعت ثورة الشعب، وقطع الطريق على بديل ديمقراطي نزيه قادر على التغيير، وتسيدت الميليشيات وتفاقمت الاغتيالات واستفحل الفساد ،وانتصر ملالي إيران على العراق واحتلوه بعد أن عجز الخميني عن احتلاله رغم إطالته أمد الحرب لثماني سنوات، فقد تسامت آنذاك الوطنية في العراق على الطائفية! والحكم الطائفي الرث الحاقد والمتعالي على الآخرين صار بديهية وعُرفا مقدسا، وعاد  الناس إلى زمن الجوع والقلق على مستقبلهم ومورد عيشهم. ألا يكفي هذا لانبعاث أصوات أشباح القبور؟ ربما كثيرون ممن شاهدوا المقابلة بدا لهم حال دولتهم  كحال ذلك الرجل المعدم  في أحد عهود بغداد القديمة حين أمضه وأنهكه الجوع مع عائلته، فأشارت زوجته عليه أن يذهب ببغلتهم الهزيلة إلى السوق لبيعها ويأتيهم بشي من الزاد، وقف الرجل في السوق طويلا فلم يجد من يسومها غير المفلسين، فقال بيته الشهير:

  لقد هزلت حتى بدا من هزالها      كلاها وحتى سامها كل مفلس

 ورغد اليوم اذ تسوم الدولة الهزيلة، وتطمح لركوبها لا تختلف عن أولئك المفلسين الذين ساموا تلك البغلة الهزيلة، والفرق أنها مفلسة سياسيا واخلاقيا؛ لكنها تملك الكثير من الذهب والفضة وشاشات التلفزيون!  

 

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟