تأثير بنية النظام السياسي على السيادة ورقة مقدمة لمشروع (أزمة العراق سيادياً)
2021/02/19
 
1107

حسين العادلي

الورقة

  • الورقة هذه، مشاركة بأول وثيقة تناقش مفهوم (السيادة الوطنية) في فكر وتجربة رؤساء العراق ونخبه السياسية والأكاديمية 2004-2020م، أصدرها معهد العلمين للدراسات العليا مع ملتقى بحر العلوم للحوار، لبحث مبدأ السيادة ببناء وإدارة الدولة العراقية بعد التغيير 2003م.
  • ·         تناولت ورقتي (والتي سأوسع من محاورها قليلاً كتوظيف):مناقشة أجوبة السؤال الأول الذي تم توجيهه إلى السادة رؤساء وزارات العراق، إذ تم طرح خمسة أسئلة محورية إليهم (وإلى رؤساء مجلس النواب) تتصل بمبدأ السيادة. والسؤال الموجّه إليهم هو: هل أنَّ طبيعة النظام السياسي تؤثر سلباً أو إيجاباً على السيادة؟

 

محاور الورقة

  • من خلال تفكيكي لأجوبة السادة رؤساء الحكومات، أستطيع أن أقول: أنَّ بعض الأجوبة وقفت على جوهر السؤال الأول، وأكدت بوضوح على الترابط العضوي بين طبيعة النظام السياسي المعتمد وتأثيره البنيوي على قضية السيادة، وطالبت بإصلاح (النظام السياسي العراقي) فيما لو أردنا سيادة حقيقية. في حين أنَّ الأعم الأغلب من الأجوبة لم تلامس بنية السؤال، فبعض الأوراق (الأجوبة) رفضت فكرة التأثير السلبي لطبيعة النظام السياسي (كما في نظامنا) على مبدأ السيادة، وبعضها وظّفت السؤال سياسياً لدرجة الاستعراض، والأخرى استغرقت بشروحات (أكاديمية) لا محل لها من السؤال، وبعضها نظرت إلى السؤال إنطلاقاً من التجربة العراقية فأسقطت الخاص على العام ولم تُجرد السؤال لتكون الإجابة مجردة ولُتسقطها فيما بعد على التجربة العراقية، والأخرى خلطت بين طبيعة النظام السياسي وبين الأداء السياسي، والأغرب رؤية بعض الأوراق التي أحالت (التأثير بين النظام والسيادة) إلى (التعارض بين الديمقراطية والسيادة) استناداً إلى فكرة أنَّ السيادة تحث على التمركز حول الدولة بينما الديمقراطية تبدو تحرراً من القيود!!
  • صحيح أنَّ (مبدأ السيادة) مبدأ حيوي وتكاملي يتأثر بجملة من العوامل، منها طبيعة شعب الدولة وموروث الدولة السياسي والتاريخي، ويتداخل والأداء السياسي لسلطاتها وساستها وقواها، ويتشابك وتطورات السيادة دولياً..الخ، لكن يبقى لطبيعة النظام السياسي وبنيته الذاتية التأثير الحاسم بشكل ونوع ومديات سيادة الدولة على شؤونها وأفعالها، وهذا ما لم تقف عنده بوضوح معظم الإجابات المُقدمة.
  • كان على أوراق السادة رؤساء الحكومات أن تنظر إلى أنَّ (السيادة) كـ(ناتج) عن النظام السياسي المعتمد للدولة وليس (أصلاً)، فمبدأ السيادة كمفهوم ومجالات تطوّر بتطور مفهوم الدولة ونماذج أنظمتها السياسية عبر التاريخ (منذ معاهدتي وستفاليا 1648م/مونتفيديو 1933م، وانتهاءً بميثاق الأمم المتحدة 1945م). فالواضح أنَّ التحوّلات بأنظمة الدول أثر بنيوياً بمبدأ السيادة، وليس أقل على الدلالة من أنَّ نموذج الدولة الإتحادية يذهب إلى تقاسم الشؤون السيادية للدولة داخلياً وفي بعض تعابير الدولة خارجياً.
  • إذا قلنا أنَّ السيادة هي: حق حصري لممارسة الدولة لسلطتها على أراضيها ومع الآخر، فأنَّ (السيادة الداخلية) لا تقل شأناً عن (السيادة الخارجية) بأفعال الدولة ووظائفها. وبذلك كان على معظم (الأوراق) أنَّ تُدرك أنَّ طبيعة النظام السياسي ستؤثر بجوهر ممارسة سلطات الدولة. وكمثال على ذلك: طبيعة النظام السياسي العراقي المعتمد حالياً، فالملاحظ أنَّ الدستور العراقي 2005م عمل على (تشتت) نواة الحكم، ومارس توزيعاً غير منضبط ومتكامل للسلطات، الأمر الذي سمح بخلق (نواة حكم رخوة) لا تقوى على ضبط فعل الدولة وفرضه، مما قاد إلى بنية هشة ساعدت على ضعف النظام وتآكل قوته وسلطانه، وكل نظام سياسي يفتقد (النواة الصلبة للحكم) سيكون هزيلاً ولا يقوى على الأداء المُلزم، ولا يستطيع فرض هيمنته التي هي عماد سيادته.
  • الذهاب إلى (تسييس) التنوع المجتمعي مشكلة معرفية وقعت بها بعض أوراق رؤساء الحكومات، فقد رأت أنَّ النظام التوافقي (المكوّناتي) هو الأفضل لضمان تمثيل مجتمعيات الدولة، وبذلك يكون النظام ناجحاً فيما لو عبّر عن مكوّناته، وهنا سيكون تأثير طبيعة النظام على السيادة إيجاباً!! هذه إشكالية معرفية سياسية يقع فيها الكثير،.. فعلينا أن نوضّح: أنَّ التنوع حقيقة قائمة بكل دولة، وليس هناك دولة صافية الإثنية أو الديانة أو الطائفة بالمطلق، ووجود التنوع لا يستدعي نظاماً سياسياً توافقياً مكوّناتياً يقوم على فكرة (المكوّن) عوضاً عن مبدأ (المواطنة)، ويلجأ إلى تقسيم (وليس تقاسم) سلطات الدولة وثرواتها على أساس مكوّناتي (هوياتي)، فمثل هذا اللجوء وبلحاظ الواقع وثقافاته وقواه ومراكز التأثير المحيطة بالنظام سيقود إلى تشتت أمّة ومؤسسات الدولة، ويدعم (نظام الدويلات) على حساب (نظام الدولة)، وسيؤدي بالضرورة إلى ضرب فكرة (الأمة الوطنية) التي تعتبر أمّة الدولة (أمّة أفراد/مواطنون) وليس تكدس (مكوّنات/مجتمعيات).

إنَّ نقل (التنوع) من حيزه المجتمعي الطبيعي إلى حيز الحكم (كهوية وكيان وسلطات) قاد إلى تعميق صراع الهويات الفرعية (العرقية الطائفية) على الدولة كأرض وموارد وسلطات، وحوّل القوى السياسية من قوى دولة إلى دولة قوى، باعتبار أنَّ القوى السياسية ستكون هي المستفيدة النهائية من طبيعة النظام المكوّناتي ومعادلات حكمه القائمة على (الشراكة/المحاصصة/التوازن)، فمعادلة النظام السياسي التوافقي المكوّناتي تقوم على معادلة: (المكوّن+سلطة المكوّن+الحزب الممثل للمكوّن= دولة المكوّنات)، مما قاد إلى إنشاء (اقطاعيات مكوّناتية) تتحكم فيها القوى السياسية، فغدت هذه القوى متحكمّة بالنظام السياسي برمته والأمّة والدولة بالتبع.

إنَّ تسيس التنوع المجتمعي وإعطائه بُعداً سيادياً ضرب بالصميم وحدة الأمّة والدولة، وقاد إلى تغوّل قوى المجتمعيات (المكوّنات) وابتلاعها للدولة، ورهن النظام السياسي برمته لمصالح وأجندات القوى، لذا نجد أنَّ فعل الدولة السيادي (داخلياً) هو الأضعف قبال أفعال القوى السياسية والمجتمعية على تنوعها، والناتج هو (مسمّى دولة) فاقدة للتأثير والإلزام. ومن نافلة القول التأكيد على أنَّ الدولة المُستَلَبة داخلياً، والمتشظية على مستوى الرؤية والإرادة والقرار والسياسة، والتي لا تمتلك قدرة الإلزام السيادي لأفعالها (داخلياً)، هكذا دولة  لا يمكن لنظامها السياسي بالضرورة أن يهب القيمة والإحترام والهيبة لأفعالها ومجالها السيادي (خارجياً).

  • ·        (الاستلاب الداخلي) مسألة غاية بالأهمية تناولتها بعض الأوراق وأغفلتها الأعم الأغلب، فطبيعة النظام المكوّناتي بالضرورة تقود إلى الإستلاب الداخلي والخارجي معاً،.. الاستلاب الداخلي ينتج فيما لو تشظت (النواة الصلبة للحكم)، وفقد النظام ديناميكية الإلزام وحمل الكل (مواطنون/مؤسسات/قوى) على الإلتزام، فعندها سيبتلع المجتمع الحكم على عدد قوى المجتمع ومراكز تأثيره، وسينتج عن ذلك (دولة مُبتلَعَة) فاقدة لبسط سيادتها على مجتمعها ومؤسساتها. إنَّ (الإستلاب الخارجي) نتيجة حتمية لدولة مُستَلَبة (داخلياً).

أيضاً، وبلحاظ الواقع الجيوسياسي والجيومجتمعي للدولة واشتراطات طبيعتها وجوانب قوتها وضعفها، فإنَّ اعتماد صيغة نظام سياسي يقوم على (الإعتراف والحماية والمصلحة) وفق (نظام المكوّنات) سيؤدي بالضرورة إلى (الإستلاب الخارجي)، الذي سيجد نفسه داخلاً ومتداخلاً مع نظام المكوّنات ومصالحها الجهوية وامتداداتها الجيوستراتيجية.

  • ·         لم يتم الوقوف (البنيوي) على ضرورة جاهزية جميع أركان النظام السياسي لضمان فاعلية سيادته داخلياً خارجياً، هذا ما أغفلته الأعم الأغلب من الأجوبة. إنَّ النظام السياسي لا يجسده الدستور وحسب، وليس هو (أي النظام السياسي) جامد (ستاتيك) يشتغل بمعزل عن واقعه والمؤثرات العاملة فيه، وفي طليعتها: جاهزية اللحظة التاريخية لاعتماد النظام السياسي ومديات تطابقها مع اشتراطات البنى المجتمعية والإقتصادية والسياسية لأمّة الدولة ولوضع الدولة في محيطها الإقليمي والدولي. إنَّ عدم وعي اشتراطات الواقع ومديات الحاجة إلى التدرج والاستيعاب والمرونة..الخ بتبني صيغة نظام سياسي يعني بالضرورة إنتاج بنية نظام سياسي معطوب لا يمكنه إدارة فعل الدولة والإستجابة لمنطق التحديات، وبالضرورة سيقود إلى بنية هشة وضعيفة فاقدة لهيمنتها السيادية داخلياً خارجياً.
  • إنَّ جميع مظاهر (الحكم الفاشل) من عجز وفساد وفوضى وتبعية واستلاب، إنما هي نتاج (النظام السياسي الفاشل) العاجز عن التعامل مع الدولة ككيان أمّة ذات مصالح سيادية. وهي ليست (خطيئة دستورية) وحسب، بل هي أيضاً (خطيئة وطنية)بالكامل، تشترك فيها أمّة الدولة وقواها السياسية والمجتمعية  والنخبوية على تنوعها. ومسؤولية النجاح والفشل لنظام الحكم تراتبية بالتبع، والقادة والقوى السياسية ومَن بيده فعل الدولة في طليعة مَن يتحمل أوزار الفشل. وهنا، فانَّ (سيادة الدولة) تتأثر بالعمق بطبيعة النظام السياسي المُعتمد وقدرته على إنتاح (حكم ناجح أو فاشل) يحقق أو لا يحقق مقتضيات السيادة (داخلياً خارجياً)،.. فالسيادة تُنتَزَع ولا تُمنح (داخلياً خارجياً).  

 

التوظيف

  • (السيادة) عنوان يختزل جميع مجالات الدولة، فالدولة بالنتيجة: إمبراطورية قوانين ومملكة مؤسسات وهرم سياقات مُلزمة الأفعال وحاكمة الأوامر ضمن رقعتها السيادية.
  • على ضوء (مسطرة السيادة) يمكن الحكم على نجاح أو فشل النظام السياسي للدولة، ومديات قدرة النظام على النهوض بالدولة ككيان أُمّة سيادي،.. من هنا تأتي أهمية هذا المشروع.
  • المطلوب من هذا المشروع أن يتطور (أفقياً وعامودياً) لتوظيف مبدأ السيادة في الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية العراقية، وإنجاز وثيقة (أزمة العراق سيادياً) ككتاب يُعتبر لبنة أولى على مستوى الرؤية العامة للشمروع، فالكتاب الذي صدر يعتبر (خطوة توثيقية) لتقديم التصورات العامة لمبدأ السيادة من قبل المسؤولين والنُخب. والمطلوب أيضاً خلق موج أكاديمي نخبوي يتنوع كمؤتمرات تخصصية وندوات حوارية بممازجة مع أصحاب القرار السياسي والمؤسسات الحكومية المعنية والجامعات ومراكز الدراسات. ومن الضروري جعل (هذه الوثيقة) مادة ثقافية واعلامية في المنابر الثقافية ووسائل الإعلإم وبالذات المرئية وشبكات التواصل، لإيجاد حركية مجتمعية حولها، فالقضايا الكبرى تحتاج إلى جدليات مجتمعية لتنضيجها.
  • ومن وجهة نظري، فإنَّ أهم ثمرة أتوقعها من هذا المشروع هي تتويجه بمبادرة وطنية شاملة لإصلاح نظام الدولة. أرى: أن يُبادر حملة المشروع إلى تبني (مبادرة السيادة الوطنية)، كمشروع وطني متكامل يهدف لإعادة تقعيد بنى الدولة وركائز النظام السياسي ومجالات الدولة سيادياً. فالواقع العراقي بأمس الحاجة إلى مبادرة وطنية تنقذ النظام وتفتح آفاقاً جديدة لتطوره. فبحكم الضرورة لا يستطيع هذا النظام الحفاظ على وجوده فضلاً عن تطوره- مع بقاء عوامل الفشل والعجز والفوضى الراهنة، ولكي ينجح النظام ويكون مُعبّراً ومستجيباً لتحديات بناء وإدارة الدولة عليه إعادة النظر بمصدات النظام السياسي ذاته، إصلاحاً جوهرياً لا تغييراً راديكالياً. وهذا ما نأمله من (مبادرة السيادة الوطنية) التي نأمل أن تُختم بوثيقة وطنية سيادية ضامنة لبنية صالحة لنظام الدولة السياسي.
الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟