صحفي مفلس .. !
2021/01/11
 
347

حسين الذكر

اتى رجل طاعن السن يحبو حذرا كانه من بقايا الدهر ... وصل حيث كنت جالس قرب صيرفي ، بادر بسؤال لا يحتاج الى فراسة : ( هل تم صرف التقاعد ) .. فاجبه صاحبي : ( لا ) .. فاعترضت على صيغة الإجابة : ( لا نحبط هؤلاء .. دعنا نعطيهم امل .. قل لهم يوم او يومين ستصرف الرواتب باذن الله  ).. بهذه الاثناء تمنيت لو أقوم من مكاني اقبل راس العجوز واعطيه من جيوبي الخاوية كخواء جسد هذا المواطن الذي حلبته الحكومات حتى غدا كومة ألم وعظام فاغرة.

 بهذه الاثناء وضعت امامنا قدحين شاي كارتوني سريع الاستعمال – تحت تداعيات الجائحة – وقد بدى القهوجي شاب جنتل بمنطق وهيئة احببتها في خدام الشعب الحقيقيين  .. قال صاحبي : ( اليوم شاي الأستاذ على حسابك ) .. فرد الشاب بمسحة فكاهة معبرة : ( الأستاذ من الصحفيين ووجه تلفازي .. رواتبهم ضخمة .. ينبغي اخذ اجرة مضاعفة  لتحمل أعباء ارتفاع الأسعار وتاخر الرواتب وسوء الخدمات ... واخذ يعدد من فضائح الحكم ما لا يستر ولا يغتفر ... ) .. قلت له : ( امس واليوم وغدا .. يا هند ) .. ثم طرح الشاب سؤالا .. بدا غريبا منه : (ما الفرق بين العدل والمساواة ) ، فقلت : ( دون الدخول بفلسفة اللغة والاصطلاح وغيرهما .. العدالة تبطن مفهوم روحي يحمل اهداف قيمة قد لا تبدو واضحة لكنها تتحرك لغاية اقدس .. لذا فان تحري العدل عصي جدا حد الاستحالة الأرضية .. اما المساواة فممكنة بقدر نسبي وتعني الأرقام والقيم الظاهرة ) ..

هنا اتصلوا بي : (  ان عامل مولدة الكهرباء اطفاها عن  البيت ) .. فمنذ خمسة أيام لم نسدد اجرة المولدة الشهرية التي أصبحت اقسى معاناة العراقيين من رحم الديمقراطية الاحتلالية وادواتها الفاسدة .. ذهبت الى صاحب المولدة .. الذي رحب مبتسما معتذرا .. ( لقد بلغت العامل  لا يطفئ عنكم ، لكنه نسى ..) .  ثم دفعت مبلغا فيه مراعاة طوعية لاعتباري الصحفي .. ) . 

 

الأسئلة المتكررة عن رواتب المتقاعدين لم تعد تثير الدهشة لدي .. لكن ثمة صفعة استفهامية دوت في الضمير حينما سمعت احدهم يقول بلهفة لصاحبي الصيرفي : ( هل من يسعفني بسلفة فورية  .. انها ابنتي تتلوى وعمليتها تستحق الإسعاف العاجل .. ) .. نهضت كلسع حرك مكامني قبل حواسي .. في مواطن ألم تتحرك بشكل طبيعي بوطن البؤس الذي حباه الله بكل شيء الا عدالة حكامه وعبثية حكوماته منذ امد بعيد موغل في مواجعنا التي لم تعد ضمن مفردات مفكراتنا اليومية .. بعد ان دار حتى خار لم يجد من يجبه .. فهمست له .. في جيبي خمسين الف دينار .. هل تقبلها مساعدة او دين ترده متى ما تحسن وضعك .. فابتسم بمدمع : ( اهلا زميلي أستاذ حسين ، كلانا في الهوى سوى ، فانت مثلي صحفي مفلس ) .. مضيفا : ( لم يعد للصحفي مورد يعيش منه .. اذ ان اغلب الصحف الورقية عزلت و البقية تعيش بالكاد دون راتب للكتاب والصحفيين ، الا ما رحم ربي وبتقطير علاجي ليس الا ..) .

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟