تحديات بناء الدولة في العراق: التحديات السياسية
2020/11/26
 
373

اسعد كاظم شبيب

سنتناول في سلسلة من المقالات بدءاً من هذا المقال التحديات التي تواجه بناء الدولة في العراق بعد تحولها من النظام الاستبدادي الى نظام جديد يفترض انه قائم على مبادئ ديمقراطية واحكامها، فأولى المقالات سيكون عن التحديات السياسية، تتمثل التحديات السياسية بعدد من الوقائع التي هي عبارة عن سلسلة من الحلقات التي تبدو مترابطة وأخرجت بشكل سيئ لتكون بجملتها مشاكل متعددة ليتحول فيما بعد الى ازمة، والازمة اذا لم تفكك ستتفاقم من دون شك، فقديما وصف ابن خلدون(1332 – 1406م) مؤسس الاجتماع العربي، الدولة بانها هي الامتداد المكاني والزماني، لحكم عصبية ما. ويرى ابن خلدون أن الدولة لا توجد دون حكم سياسي، ولا يوجد حكم سياسي دون دولة، وبالتالي يرى أن الدولة والسياسة هم وجهان لعملة واحدة، وأن منشأ الدولة هو المجتمع، ووفقا لهذا يحدد ابن خلدون الدولة بعدد من المحددات، وقبل ان نبين أوجه التحديات السياسية التي تواجه الدولة، سوف نشير الى المحددات الخلدونية، وتتمثل بالآتي:

تنازع العصبيات او الهويات

في المنظور العربي ان الدولة تنشا عبر تنازع عدد من العصبيات، والمراد بالعصبية هنا النعرات، وتقوم “العصبية” على عدد من العناصر وهي: الدين أو الولاء، او القومية، أو الفكر المشترك أو ما إلى ذلك من مشتركات، تصلح انطلاقا لبناء الدول واستمراره، وبالعصبية القوية، يكون تمهيد الدولة وحمايتها من أولها، ويكون قيامها وسقوطها أيضا. وبالتأكيد عندما حدد ابن خلدون العصبية بهذه العناصر كانت تركيبة وطبيعة وعدد السكان منسجم ونشأة الدولة العربية والإسلامية في المراحل الأولى من ظهور الإسلام، اما اليوم فالدولة لم تعد هذه العناصر كافية لتضبط إداء وظيفتها بحكم التنوع والتعدد والحالة العصرانية التي يعيشها العالم من التكنولوجيا وما شابه من التداخلات الداخلية والخارجية. وبالتالي تواجه الدولة اليوم في العالم العربي والإسلامي الذي لا يزال يعيش البدائية، ويعتمد على العصبيات الاثنية الدينية والعرقية يحتاج الى ضبط هذه العصبيات.

السلطة

تشكل السلطة، إدارة نظام الحكم والقوة الماسكة بزمام السلطة التنفيذية الموكلة لها قيادة الدولة من خلال ادواتها الرسمية من جيش وشرطة، ومؤسسات أخرى تخص الجوانب الاقتصادية والمالية، وهذا المحدد اذا لم يكن مقيد بالقوانين، ومراقب من خلال سلطة تشريعية تعبر رغبات الشعب، وتمارس عملها بمهنية وطنية، سيؤدي ذلك الى تداعيات تضر بالدولة والمجتمع، وقد تكون هناك مؤسسات رقابية لكنها شكلية، فهنا تكون السلطة اما دكتاتورية او سلطة لا تتمثل الى السلطات الرقابية، هذا من حيث السلطة التنفيذية، وقد تكون المشكلة في السلطات الأخرى كالسلطة التشريعية نفسها اذا ما أصيبت بالعضال المحاصصة والفساد وازدواجية السلطة والمعارضة مما يجعلها عاجزة عن أداء عملها الرقابي لاسيما في الدول التي يغيب عنها القانون وتكثر فيها الولاءات وبالتالي تتحول المؤسسة التشريعية عبئ على الدولة والمجتمع.

المجتمع

يقصد بالمجتمع هنا الوحدات الافقية والعمودية السكانية بدا من الاسرة ومن ثم القبائل والقوميات والاعراق والملل التي تنصهر في هوية مشتركة تتمثل في هوية الدولة، وهذه الهويات المتنوعة المكونة للمجتمع تشكل جانب طبيعي في الدولة إذا كانت منصهرة تحت الهوية الوطنية الشاملة للهويات الأخرى، اذ تكون الهويات الفرعية هنا ثقافة وسلوك خاصة بالجماعة في أطار كينونتها الخاصة وخاضعة بالكامل الى ثقافة ومحددات الهوية الوطنية السياسية والقانونية والثقافية، وهنا تماثلات المجتمع في اغلب الدولة العربية والإسلامية لا تزال تعيش في اطار تقديم الهويات الخاصة على الهوية الوطنية العامة الشاملة ومن تداعيات ذلك على المجال السياسي انها توظف وجودها من اجل المغانم السياسية، وقد يصل بها الحال الى حد الاحتراب بين الهويات الفرعية ذاتها، وهذا ما حصل في العراق في السنوات الأولى من سقوط النظام البعثي السابق، ولا يزال يعيش البلد هذا الهاجس بين الحين والأخر وفي بعض المناسبات كالمناسبات السياسية في أوقات الانتخابات او في المناسبات الدينية.

ومما تقدم ان للمحددات السياسية المتمثلة بالعصبيات او الهويات والسلطة والمجتمع دوراً كبيراً في بناء الدولة بعلاقة عكسية اذ ما اتسمت هذه المحددات بخاصية الاستقرار والتقيد بالقوانين وبفلسفة هوياتية جامعة، وبعقد اجتماعي وطني شامل وعصراني، كلما كانت الدولة مستقرة، والعكس صحيح، من هنا مثل تصارع الهويات والعصبيات حسب جغرافية وزمانية ومناسبة تجمع الهويات البشرية مثلت عنصرا رئيسا يواجه بناء الدولة ولا نبالغ إذا قلنا منذ تأسيس الدولة العراقية في بدايات العقد العشرين والى اليوم، وكانت السلطة الشمولية الاستبدادية وتحولها المفاجئ نحو الديمقراطية ذات الخصائص التعددية الفوضوية وبروز الهويات السياسية الطائفية في وجوه مجتمعية حزبية وقبلية تحديا سياسيا رئيسا أيضا، وبالتالي التحدي السياسي يكمله الجانب الاجتماعي ـــ السياسي، اذ ان السلطة في حالة التبعثر المجتمعي هي انعكاس للحالة المجتمعية في الظروف السياسية التي مر بها البلد.

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟