شباب ثورة تشرين واختبار الانتخابات
2020/11/19
 
332

ضياء الشكرجي

ثورة تشرين التي لم تسبقها ثورة في العراق مثلها، حققت الكثير، وأعطت من خيرة شبانها وشاباتها ما يقرب من السبعمئة من أحبائنا.

لكن دعونا نترك العواطف جانبا، ونقر إنها لم تبلغ للأسف، ولأسباب منها موضوعية ومنها ذاتية، مرتبة فرض شرعية الثورة، لتلغي كل الشرعيات الأخرى، كشرعية القوانين المعيقة لعملية التغيير، والتي اضطرت الثورة أن تخضع لها بدلا من أن تخضعها هي لها؛ تلك القوانين المجحفة، والتي تقف جدارا صلدا في طريق التغيير الذي تطلعت إليه الثورة، وأعطت من أجله التضحيات الكبيرة.

أهم هذه القوانين هما قانون الأحزاب وقانون الانتخابات. فكان يجب الإصرار على ألا تجري هذه الانتخابات بالذات، إلا عبر الترشيح الفردي حصرا. هذا فيما يتعلق بقانون الانتخابات، أما بالنسبة لقانون الأحزاب فكان يجب المطالبة بإزالة كل الشروط التعجيزية أمام تأسيس الأحزاب، وأهمها الرسوم المبالغ كثيرا بها، وجعل الحد الأدنى للأعضاء ٢٠٠٠ عضو، ونحن نعرف إن أكثر الأحزاب التي أسست اشترت عضوية الألفين بدفع ٢٥ ألف لكل من يستعد أن يسجل اسمه عضوا في الحزب، ويعطي صورة وثيقته التعريفية مع توقيعه. بينما في الدول الديمقراطية المتقدمة لا نجد مثل هذه الشروط، ففي ألمانيا على سبيل المثال، لا رسوم، ولا حد أدنى لعدد الأعضاء، ولا رخصة تأسيس للأحزاب، بل ليس على المؤسسين إلا أن يعلموا بتأسيس حزبهم. هذا ما لم يلتفت إليه للأسف ثوار تشرين، فلو كانوا قد فرضوا وبإصرار أن تجعل رسوم التأسيس ٣ ملايين و٥٠٠ ألف دينار، بدلا من ٣٥ مليون، وأن يجعل عدد أعضاء الحزب الذي يراد تأسيسه ٥٠٠ أو ربما ٢٠٠ أو فقط ١٠٠ بدلا من ٢٠٠٠ عضو، لَتَيَسَّرَ عندها لمجاميع ثورة تشرين أن تؤسس أحزابها، ولو إننا كنا نتمنى أن يتحدوا في حزب، أو حزبين، أو أقصاها ثلاثة أحزاب، بدل التشتت، لكن كان يمكن حتى مع التعدد بعد ذلك العمل على توحيد نلك الأحزاب في حزب أو حزبين أو ثلاثة، حسب الاتجاه الفكري المعتمد.

والآن يقف الكثير من شبابنا أمام عروض مغرية لشراء ثورتهم، بمنحهم المساعدات المالية المغرية جدا، لينضموا إلى حزب (سين) أو حزب (صاد)، أو يؤسسوا هم حزبهم، بتمويل من المالكي، أو الحكيم، أو الحلبوسي، أو الكربولي، أو الخنجر، أو الصدر.

وبعضهم يقول لا خيار لنا، إذا أردنا أن ندخل مجلس النواب لنواصل عملية التغيير، إلا من خلال القبول بأحد هذه العروض، ليقبلوا بأقل العروض سوءً.

لا أتصور إن شبابنا يمكن أن يقبلوا دخول مجلس النواب من أموال سرقت من قوت العراق، ولا أظنهم سيقبلون دعم الفاسدين، وهم الذين خرجوا ضد الفساد والفاسدين وضحوا بخيرة زملائهم. لا أظنهم يقبلون لأنفسهم دخول مجلس النواب بتمويل من قوى الإسلام السياسي، وقوى الطائفية السياسية من الطائفتين، والقوى الولائية، وقوى الفساد المالي. ثم كيف يريدون مواصلة عملية التغيير من خلال مجلس النواب، بينما الذين ساعدوهم ماليا للوصول هم أنفسهم أعداء التغيير.

صمدتم أمام الرصاص الحي، صمدتم أمام القنابل المسيلة للدموع المحرمة دوليا، صمدتم أمام الاختطاف والاعتقال والتعذيب والتهديد، فاصمدوا أمام فتنة الانتخابات بالمال المحرم.

سيقول البعض عني: هذا يكتب مرتاحا من أمام حاسبته، ويُنظّر لمثاليات، لا توصلنا إلى أهدافنا. إذن ما الحل؟ وهو سؤال مشروع.

الهدف النظيف لا يجوز الوصول إليه من خلال طريق غير نظيف.

فما زالت الدوائر الانتخابية قد أصبحت وفق القانون الجديد صغيرة نسبيا، وما زال بالإمكان سلوك طريق الترشيح الفردي، فليرشح كل منكم نفسه ترشيحا فرديا، وعندها لا تحتاجون إلى نفقات كبيرة لدعايتكم الانتخابية، فأنتم معروفون بين زملائكم وجماهيركم، وما عليكم إلا أن تتعبوا أنفسكم قليلا بالترويج لأنفسكم بالتجول في المناطق التي تحتملون أن تحصلوا على عدد جيد من أصوات ناخبيها ضمن دائرتكم الانتخابية. أو رشحوا أنفسكم في إطار قوائم علمانية أو مدنية غير ملوثة، ولا تتلثوا بأموال الطبقة السياسية التي ثرتم ضدها.

واعلموا إنكم ربما لا تستطيعون التغيير في انتخابات ٢٠٢١ إلا بنسبة دون الـ ٥٠%، وربما دون ذلك بكثير، كأن يكون بنسبة ٢٠%، لكن هيئوا أنفسكم لانتخابات ٢٠٢٥ لتجلعوا التغيير بنسبة ٩٠%، وهذا بشرط إدامة روح ثورة تشرين، ولو بأساليب جديدة

 

الاستبيان
برأيك ايهما افضل؟