محمد فاضل
عبدالوهاب محمد لطيف عبدالحليم المفتي من البيوتات العريقة في محلة الحوش بمدينة عنه في محافظة الانبار من عشيرة الجفال . السادة النعيم .. كان والده مفتي مدينة عنه ثم إنتقل للسكن بالرمادي حيث أصبح والده مفتي للواء الدليم ثم استقر الحال باسرته بالسكن في مدينة الاعظمية وأصبح والده عضو مجلس افتاء العراق
وهناك اشترى والده بستانا و 30 دونما أرضازراعية في منطقة سميت فيما بعد بالوزيرية.. وشيد والده جامعا باسمه في الاعظمية مقابل نفق ساحة عنتر عند مدخل الشارع المؤدي باتجاه الصليخ ( جامع محمد لطيف المفتي ) كما أن لعائلته أوقاف في مناطق مختلفة ببغداد .
ولد عبد الوهاب محمد لطيف في مدينة عنه عام 1928
ودرس فيها دراسته الاوليه
ثم أكمل دراسته الثانوية في مدينة الرمادي.
ثم أكمل دراسته في كلية الهندسة بجامعة بغداد وتخرج منها عام 1950
عمل مهندسا في كثير من الدوائر البلدية والهندسية وكان آخرها رئيسا للمؤسسة العامة للطرق والجسور في وزارة الإسكان .
بتاريخ 5 كانون ثاني 1984 عين امينا لبغداد بموجب مرسوم جمهوري .
بتاريخ 15 كانون الثاني 1986 منحه الرئيس صدام حسين وسام الرافدين تكريما له بقيادة الجهد الهندسي لقص القصب ووضع السدود الترابية في جبهات القتال .
كان المهندس عبدالوهاب المفتي ذو مروءة وخلق كريم جم يقف لقضاء حوائج الناس ، ولايمر على الأغلب أسبوعا إلا وتجد طارقا لمكتبه يريد معاونة المفتي له في تسهيل مهمة ما سواءا في دائرته أو دائرة أو وزارة أخرى . وبالرغم انه لم يكن يوما سياسيا أو يتحدث بالسياسة
يظن بل تيقن كل أصدقاءه والمقربين له بأن علاقاته الاجتماعية المتميزة هي من دفعت جلاوزة النظام لتلفيق التهم للإيقاع به ظنا منهم ان علاقاته المتميزة مع شيوخ عشائر وضباط كبار وعامة الناس ربما تهدد النظام .
تلفيق التهمة : عند استلامه أمانة بغداد في 5 كانون ثاني 1984 وقعت شركة بريطانية عقدا لربط شبكة مشروع ماء الكرخ مع شبكة ماء الرصافة علما انه لم يتم أي تعاقد مع أية شركة اجنبية مع أية وزارة إلا بعد موافقة خطية من قسم الشركات في جهاز المخابرات وقد حصلت هذه الشركة على الموافقة بأسم رئيسها (تيرن ايرن ) ووكيلها المحامي أكرم شماس وتعمل معهم مهندسة كان جهاز المخابرات العراقي قد دفعها للعمل في هذه الشركة .
في صبيحة أحد الايام في الشهر الاول كانون الثاني 1984 دخل البريطاني ايرن مع المحامي الشماس إلى مكتب المفتي وكان المفتي يتلقى مكالمة هاتفية من لندن من أحد ابناءه يخبره ان الجامعة قد ابلغتهم بضرورة دفع المبلغ (تكاليف الدراسة ) وهي سبعة آلاف دولار وان الوقت قصير ،
بعد أن انتهى من مكالمته استفسر البريطاني مدير الشركة عن الأمر فشرح له الحديث الذي دار مع ابنه .
بعد ثلاث ساعات من ذلك اليوم عاد البريطاني ايرن والمحامي الشماس ليبلغوا المفتي انه قد تم دفع المبلغ للجامعة فشكرهم المفتي على مساعدتهم له وقام بدفع المبلغ للبريطاني ايرن وسلمه له بحضور المحامي الشماس والمهندسة التي معهم .
في اليوم الثاني رفع المفتي مذكرة للرئيس صدام أبلغه بماجرى. فرد الرئيس عليه بقوله
( انت فوق الميول والاتجاهات ولاداعي أن تخبرنا بمثل هذا الأمر نحن نعرف زلمنه. وليش ماتصلت بي لنكلف ولدنا بالسفارة بلندن للقيام بواجبهم هناك )
رد المفتي : سيدي وقتك ثمين ولااريد أن أشغلك بمثل هذه الأمور.
عندما انتهى لقاء المفتي كرمه الرئيس بمبلغ 50 الف دولار هدية قائلا انا من اتكفل بدفع النفقات الدراسية كاملة هناك .
بعد مايقرب سنتين وتحديدا صبيحة يوم آذار 1986 كان المفتي بمكتبه في البصرة حيث يشرف على بناء السدود الترابية وتجفيف بعض الاهوار دخل ماهر عبدالرشيد وكان قائد فيلق في البصرة إلى مكتب المفتي وعندما نهض المفتي لاستقباله اذا به يشتم المفتي ويقول له كيف لآليات الامانه والجهد الهندسي تحت الشمس والأمطار لكن معروف عن المفتي كبرياؤه وعزة نفسه وعصبيته فرد الشتائم على ماهر وعندما حاول أحد حماية ماهر تصويب سلاحه على المفتي قام حماية المفتي نقيب شرطه جاسم العاني بتوجيه مسدسه على رأس ماهر عبدالرشيد وانسحب ماهر واتصل المفتي على مكتب الرئيس دون رد ليتلقى المفتي اتصالا بعد نصف ساعة يطلب منه العودة إلى بغداد ليتم اعتقاله من أمام داره حيث وجد قوة مدنية تقف بباب داره وتبين أنها قد فتشت الدار واستولت على بعض الحقائب والأموال والحلي الذهبية والمجوهرات ولم يسمحوا له بدخول الدار وتم بعدها اعتقال زوجته واحد أفراد عائلته لتهديده بالاعتراف بموضوع الرشوة الكاذبة وتتبنى المخابرات عمل حساب له في أحد مصارف لندن أو تزوير تلك الأوراق باعتبارها ثبوتية فأما أن نهتك عرضك أو تعترف بالرشوة. ليظهر بفيديو معترفا بقبض الرشوة وينفذ به حكم الإعدام.
وقد تم اعتقال كثير من المهندسين الذين لهم علاقة ود وصداقة مع المفتي من أجل انتزاع اعتراف عليه بالتجسس أو الرشوة أو العمل على الإطاحة بالنظام وكان من بين المعتقلين صديق دراسته منذ الثانوية في الرمادي المهندس هشام المدفعي الذي تعرض للتعذيب وذكر في مذكراته (نحو عراق جديد سبعون عاما من البناء والاعمار) انه عندما اعادوه إلى زنزانة الاعتقال في أبو غريب في تموز 1986 شاهد الكثير من أصدقاءه المهندسين وأنه لم يستطع التعرف على المهندس عبدالوهاب المفتي حيث أصبح عمودا فقريا إلا بعد أن أشاروا له عليه وأضاف أنه خلال التحقيق معه أعطوه ورقة وقلم ليكتب عن مايعرف عن عبدالوهاب المفتي يقول : كتبت مااعرف عن اندفاع هذا المهندس الدؤوب في عمله امينا للعاصمة وغيرها من الوظائف السابقة وبينت لهم إنجازاته في الجهد المدني وطريق غرب دجلة في منطقة الاهوار وأعماله في مؤسسة الطرق والجسور وسواها ولخصت قولي بأن المفتي مهندسا عملاقا متفانيا في عمله يستحق التقدير والثناء على قدر معرفتي به والأعمال التي اشتركنا سوية في إنجازها . ومن المؤسف أن شهادتي لم تكن ذا فائدة إذ أن التحقيق معه كان حول أمور أخرى .
قتل واعدم المهندس النزيه والكفوء عبدالوهاب المفتي في نهاية عام 1986 ليخسره اهله وشعبه مخلصا في عمله ونزيها وعالما في الهندسة .
فسبحان الله كيف انتقم ل عبدالوهاب المفتي ولامثاله المظلومين وكيف كانت نهاية الظالمين على يد من هم أشر منهم ظلما وطغيانا .
وعند العزيز الجبار يجتمع الخصوم .